كتاب تفسير العثيمين: الصافات

وجهان:
الوجه الأول: أن مجيئه وقع مطابقًا لما أخبروا به، فيكون ذلك تصديقًا، كما لو قلت: سيقدم زيد غدًا، فإذا قدم صار مصدقًا لقولك وصار مجيئه مصدقًا لقولك.
الوجه الثاني: صدق المرسلين أي قال: إن الرسل صادقون. وكلنا يعلم أن من دين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول الإنسان: آمنا بالله وبرسل الله {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: ٢٨٥] فتصديق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن سبقه يكون على هذين الوجهين:
أولًا: أن مجيئه تصديق لما أخبروا به من أن سيبعث، وآخرهم عيسى -عليه الصلاة والسلام-، قال لقومه: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: ٦].
والثاني: أنه وصف ما جاءت به الرسل السابقون بأنه صدق.
{بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧)} قال [الجائين به، وهو أن لا إله إلا الله] في تفسير المؤلف -رحمه الله- شيء من القصور؛ لأنه صدّق المرسلين في هذا وفي غيره، وكأن المؤلف -رحمه الله- خصها بقول (لا إله إلا الله) بناء على السياق، حيث كان السياق في التحدث عن (لا إله إلا الله) {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧)} أي صدَّقهم بأن لا إله إلا الله، ولكن الأولى الأخذ بالعموم فصدقهم في هذا وفي غيره.

الصفحة 81