كتاب تفسير العثيمين: الصافات

للجنين في بطن أمه لم يكن أزليًّا، بل هو حادث حين حدوث هذا الجنين.
٦ - وننتقل من هذه الفائدة إلى فائدة تتفرع عنها، وهي إثبات أفعال الله الاختيارية خلافًا لمن أنكر ذلك، وقال: إن الله لا يقوم به فعل اختياري. وعللوا ذلك بعلة باطلة، قالوا: لأن الفعل الاختياري يقتضي الحدوث، والحادث لا يقوم إلا بحادث، والله -سبحانه وتعالى- أزلي أبدي، ولا شك أن هذا القول قول باطل. فإن الحادث قد يقوم بغير الحادث كما في أفعال الله. أليس الله تعالى خلق السماوات والأرض ثم استوى على العرش، فحدث الاستواء بعد خلق السماوات والأرض؟ أوليس الله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الأخير؟ بلى، فحصل النزول بعد مضي ثلثي الليل، ومع ذلك فإن الله لم يزل ولا يزال موجودًا. ثم إن الإنسان بنفسه يجد أن أفعالًا منه تتجدد مع سبقه عليها. فالإنسان مثلًا فعله اليوم ليس فعله بالأمس وهو سابق على أفعاله فتقوم به الأفعال الحدوثية مع سبقه عليها، فإذا جاز هذا في المخلوق، فهو في الخالق من باب أولى؛ لأنه كمال.
٧ - ومن الفوائد: تمام سلطان الله -عز وجل- وقوته، وجه ذلك أن هؤلاء المجرمين معروفون بالعتو والكبرياء والغطرسة، كما في فرعون وغيره من الملأ، ومع ذلك فإن الله قاهرهم, يعذبهم ويفعل بهم ما يشاء مما تقتضيه حكمته.
٨ - ومن فوائد الآية الكريمة: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥)} أن هؤلاء المجرمين في غاية ما يكون من

الصفحة 83