كتاب تفسير العثيمين: الصافات

الله وأن محمدًا رسول الله. فالأول {كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥)} والثاني إذا قيل: آمنوا بمحمد قالوا: {أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦)}. فلم يقوموا بـ (لا إله إلا الله)، ولم يقوموا بمحمد رسول الله، والله -عز وجل- يقرن دائمًا بين هاتين الكلمتين في آيات كثيرة، انظر إلى قوله: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩)} , [المؤمنون: ٦٨ - ٦٩] ففي الأول الإشارة شهادة أن لا إله إلا الله، وفي الثاني {لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ} شهادة أن محمدًا رسول الله. ولهذا أيضًا جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - هاتين الشهادتين ركنًا واحدًا من أركان الإسلام، فقال: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة. ." (¬١) لتلازم هاتين الشهادتين، ولأن مبنى العبادة كلها على الإيمان بهاتين الشهادتين إذ إن مبنى العبادة على الإخلاص والمتابعة، اللذين يتحقق بهما شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.
١٣ - ومن الفوائد: أن هؤلاء المستكبرين لم يكفهم الاستكبار عن الحق حتى قدحوا فيمن جاء بالحق. يؤخذ من قوله: {أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦)} فلم يكفهم أن تركوا الحق حتى هاجموا وقدحوا فيمن جاء به، وقد ورثت هذه الطريقة -أي القدح بمن جاء بالحق- فأهل البدع يسمون أهل السنة بكل
---------------
(¬١) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب {دُعَاؤُكُمْ} إيمانكم لقوله عز وجل: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} (٨)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام (١٦).

الصفحة 85