كتاب تفسير العثيمين: الصافات

المخاطب أو القارئ، ولكن إذا تغير الأسلوب فإنه ينتبه، لماذا تغير؟ وما وجه التغير؟ فتشترك جميع الالتفاتات في كل موضع بأن الغرض من ذلك التنبيه، ثم ينفرد كل موضع بما يختص به، فهنا التفات من الغيبة إلى الخطاب، لأن الخطاب أبلغ في الزجر، {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (٣٨)} أبلغ من إنهم لذائقوا العذاب الأليم. ولهذا إذا تأملنا قصة الخضر مع موسى -عليه الصلاة والسلام-، أول ما عتب عليه قال له: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٢)} [الكهف: ٧٢] وفي الثانية: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٥)} [الكهف: ٧٥] فالخطاب لا شك أن فيه قرعًا للذهن مباشرًا، فيكون أشد وقعًا من ضمير الغيبة.
وقوله: {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (٣٨)} هذا فيه حق اليقين؛ لأن هؤلاء تُوُعِّدوا بهذا العذاب، وتوعدهم بالعذاب هو علم يقين، ثم رأوا النار كما قال تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (٥٣)} [الكهف: ٥٣] وهذا عين اليقين ثم قيل لهم: {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (٣٨)} وهذا حق اليقين، فاجتمع في وعيد هؤلاء المراتب الثلاث: العلم، والعين، والحق.
{الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (٣٨)} المراد به عذاب جهنم -والعياذ بالله- لأنه مؤلم، وقد أخبر الله -عز وجل- عن إيلام هذا العذاب بأنواع عظيمة، ذكرها الله في كتابه، وذكر منها النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا كثيرًا في السنة، قال: {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩)} أي: ما تجزون من هذا العذاب إلا شيئًا قدمتموه أنتم لأنفسكم، وهنا قال المؤلف

الصفحة 90