كتاب تفسير العثيمين: الصافات

قلب بشر"؛ لأنك لو قلت: إنها البستان الكثير الأشجار فإن الشوق إليها والنظر إليها يضعف، إذ إن المخاطب يتصور أن هذه الجنة كبساتين الدنيا، فيجول في بساتين الناس أي بستان أعظم؟ بستان فلان بن فلان فلا يتجاوز قلبه أو يتصوره هذا البستان، مع أن الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كما قال الله -عز وجل-: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)} [السجدة: ١٧] وقال الله تعالى في الحديث القدسي: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" (¬١). فالأحسن أن نفسر جنة الخلد بأنها الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وقوله: {النَّعِيمِ (٤٣)} هذا من باب إضافة الشيء إلى نوعه، أي جنات نعيم لا بؤس فيها ولا شقاء، نعيم للقلب وهو السرور، نعيم للبدن لأنهم يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ ولباسهم فيها حرير. فهم منعمون في أبدانهم، ومنعمون فى قلوبهم، وانظر إلى قوله تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (٢١)} [الإنسان: ٢١] وقال تعالى أيضًا: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (١١)} [الإنسان: ١١] فالنضرة في الوجه وهو الحسن، والسرور في القلب، فكان الحسن فيهم ظاهرًا وباطنًا، ولهذا سميت جنة النعيم لتنعم الإنسان فيها ظاهرًا
---------------
(¬١) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب يريدون أن يبدلوا كلام الله (رقم ٧٤٩٨) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (رقم ٢٨٢٤) (٢، ٣، ٤).

الصفحة 97