كتاب تفسير العثيمين: الصافات

يجد هؤلاء الغلمان كل في عمله، ليس فيهم متعطل، وليس فيهم منتظر للآخر. ليسوا كغلمان الدنيا يتزاحمون كل واحد ينتظر الأجر، بل كل في خدمة معينة، وهذا ألذ ما يكون للسيد إذا رأى هؤلاء الغلمان قائمين بخدمته على هذا الوجه، {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (١٩)} [الإنسان: ١٩].
وقوله: {بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥)} قال المؤلف: -رحمه الله-[هو الإناء بشرابه]، الكأس معروف وهو الإناء بشرابه، وقد بين الله -سبحانه وتعالى- أن هذا الكأس دهاق {وَكَأْسًا دِهَاقًا (٣٤)} [النبأ: ٣٤] أي مملوءة. ومع ذلك مملوءة بقدر معلوم ليست كبيرة، فإذا شربها الإنسان تعب، وإن أبقى منها فضلة صارت غير شهية، وليست صغيرة بحيث لا ترويه، وهم لا يعطشون، ولكن تلذذًا، بل قال الله تعالى: {مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (١٦)} [الإنسان: ١٦] يعني: جُعِلَتْ بقدر ما يتلذذ به الشارب لا كبيرة ولا صغيرة.
وقوله: {بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥)} قال المؤلف -رحمه الله-: [من خمر يجري على وجه الأرض كأنهار الماء]، المعين في الأصل الماء الجاري، والمراد هنا بكأس من معين أي من خمر {مَعِينٍ} كعين الماء يجري. وقد بين الله -سبحانه وتعالى- في سورة القتال أنهار الجنة {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد: ١٥] أنهار تجري. والذي خلق من هذا الطائر الذي يشبه الذباب هذه الكميات الكثيرة من العسل قادر على أن يخلق أنهارًا من العسل في الجنة وليس هذا بغريب، وليست هذه

الصفحة 99