كتاب مرويات الإمام الزهري في المغازي (اسم الجزء: 1)

وزعموا أن كعب بن مالك قال: كنت فيمن خرج من المسلمين فلما رأيت مُثَل المشركين بقتلى المسلمين قمت فتجاوزت، فإذا رجل من المشركين جمع اللأمة تحوية المسلمين ويقول: استوسقوا1 كما تستوسق جرد الغنم، قال: وإذا رجل من المسلمين قائم ينتظره، وعليه لأمته، فمضيت حتى كنت من ورائه، ثم قمت أقدر المسلم والكافر ببصري، فإذا الكافر أفضلهما عدة وهيئة، قال: فلم أزل أنظرهما حتى التقيا، فضرب المسلم الكافر على حبل عاتقه ضربة بالسيف بلغت وركه وتفرق فرقتين ثم كشف المسلم عن وجهه، فقال: كيف ترى يا كعب أنا أبو دجانة.
فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم أزقَّة المدينة إذا النوح والبكاء في الدور، فقال: "ما هذا"؟ قالوا: هذه نساء الأنصار يبكين قتلاهنّ، قال: وأقبلت امرأة تحمل ابنها وزوجها على بعير قد ربطتهما بحبل ثم ركبت بينهما، وحمل منهم قتلى فدفنوا في مقابر المدينة، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن حملهم، وقال: "واروهم2 حيث أصيبوا"3، وقال رسول الله حين سمع البكاء: "لكن حمزة لا بواكي له "، واستغفر له، فسمع ذلك سعد بن معاذ وسعد بن
__________
1 استوسقوا: أي استجمعوا وانضموا. النهاية 5/185.
2 واروهم: أي ادفنوهم، وارى الميت: دفنه. لسان العرب 1/ 994.
3 يشهد له ما رواه الإمام أحمد في المسند 22/ 208 رقم [14305] الأرناؤوط، وعبد الرزاق في المصنف 5/ 278، والحميدي 2/ 544، وابن أبي شيبة 5/ 321، وأبو داود 3/ 202 رقم (3165) ، والنسائي 4/ 79، والترمذي 5/ 279 مع التحفة.

الصفحة 357