كتاب إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان - ت الحفيان

صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ يقول: «اللَّهُمَّ، أيّما عبدٍ مؤمنٍ سَبَبتُهُ؛ فاجعلْ ذلك [له] (¬١) قُرْبةً إليكَ يومَ القيامةِ» (¬٢).
وفي بعض ألفاظِ الحديث: «إنَّما أنا بَشَرٌ، أرضى كما يرضى البشرُ، وأغضبُ كما يغضبُ البشر، فأيُّما مؤمنٍ سببتُه أو لعنتُه فاجعلها له زكاةً».
فلو كان النبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ مريداً لما دعا به في الغضبِ لما شَرَطَ على ربِّه وسأله أنْ يفعلَ بالمدعو عليه ضِدَّ ذلك؛ إذ مِن الممتنع اجتماعُ إرادة الضِّدين، وقد صرَّحَ بإرادة [أحدهما] (¬٣) مشترطاً لَهُ على ربِّه، فدلَّ على عَدَم إرادتِهِ لما دَعَا به في حالِ الغضب. هذا؛ وهو صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ معصومُ الغضبِ كما هو معصومُ الرِّضَا، وهو مالكُ لفظِه بتصرُّفِه، فكيف بمن لم [يعصمْهُ] (¬٤) في غضبهِ وتمليكه، ويتصرَّفُ فيه غضبُه، ويتلاعبُ الشيطانُ به فيه؟ وإذا كان الغضبانُ يتكلَّمُ بما لا يريده، ولا يريد مضمونه، فهو بمنزلة المُكْره الذي يلجأ إلى الكلام أو يتكلَّمُ به باختياره، ولا يريد مضمونه، والله أعلم.
---------------
(¬١) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، واستدرك من «صحيح مسلم».
(¬٢) رواه البخاري (٦٣٦١)، ومسلم (٢٦٠١).
(¬٣) في الأصل: «أحدها».
(¬٤) في الأصل: «يعصمهم».

الصفحة 104