كتاب إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان - ت الحفيان

والمجنون إذا قتلا صيداً أو غيرَه، وتجبُ على قاتل الصَّيْدِ ناسياً أو مخطئاً، وتجبُ على مَن وَطِئَ في نهار رمضان ناسياً عند الأكثرين؛ فلا يلزم من تَرتُّبِ الكفَّارة اعتبار كلام الغضبان. وهذا هو الذي يسمِّيه الشافعيُّ: «نَذْرَ الغَلَق» (¬١)، ومنصوصه: عدمُ وجوب الوفاء به إذا حَلَفَ به، بل يُخيَّر بينه وبين الكفَّارة. وحُكِيَ له قولٌ آخر: بتعيُّن الكفَّارة عَيناً. وقولٌ آخر: بتعيُّن الوفاء به إذا حَنَث، كما يلزمه الطَّلاقُ والعَتَاقُ. وهذا قولُ مالك (¬٢)، وأشهرُ الروايتين عن أبي حنيفة (¬٣).
الثالث: ما ثَبَتَ في «الصحيح» عنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنه قال: «لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبانُ» (¬٤)؛ ولولا أنَّ الغضبَ يؤثِّرُ في قَصْدِهِ وعِلْمِهِ لم يَنْهَهُ عن الحُكْمِ حالَ الغضب، وقد اختَلفَ الفقهاءُ في صحَّةِ حُكْمِ الحاكمِ في حال غضبِه على ثلاثة أقوال سنذكرُها بعدُ (¬٥)، إن شاء الله.
---------------
(¬١) انظر: «الأم» (٧/ ٦٩)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٢٩٤).
(¬٢) «عقد الجواهر» (١/ ٥٤٣)، و «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (٢/ ١٦١).
(¬٣) «حاشية ابن عابدين» (٣/ ٧٣٨، ٧٣٩)، و «حاشية الطحطاوي» (١/ ٤٥٦).
(¬٤) رواه البخاري (٧١٥٨)، ومسلم (١٧١٧) من حديث أبي بكرة.
(¬٥) انظر ص (٩٦).

الصفحة 59