كتاب إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان - ت الحفيان

فصل
وأما الاعتبارُ وأصولُ الشريعة، فمن وجوه:
الأول: أنَّ المؤاخذةَ إنَّما ترتَّبت على الأقوالِ؛ لكونها أدلَّةَ على ما في القلبِ مِن كَسْبِه وإرادته؛ كما قال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٢٢٥]؛ فجعل سببَ المؤاخذةِ كَسْبَ القلبِ، وكسبُه هو إرادتُه وقَصْدُه، ومَن جرى على لسانِه الكلامُ مِن غير قَصْدٍ واختيار، بل لشدَّةِ غضبٍ وسُكْرٍ، أو غير ذلك لم يكن مِن كَسْبِ قلبِه؛ ولهذا لم يؤاخِذِ الله سبحانه الذي اشتدَّ فرحُه بوجودِ راحلتِه بعد الإياس منها، فلمَّا وَجَدَها أخطأ مِن شدَّة الفَرَحِ وقال: «اللَّهُمَّ، أنتَ عبدي، وأنا ربُّكَ» (¬١)؛ فجرى هذا اللفظُ على لسانِه مِن غير قَصْدٍ، فلم يؤاخذه به كما يجري الغلطُ في القرآن على لسانِ القارئ (¬٢).
لكنْ قد يُقال: هذا قَصَدَ الصَّوابَ فأخطأَ فلم يُؤاخَذْ؛ إذْ كان قد قَصَدَ ضِدَّ ما تكلَّم به، بخلاف الغضبان إذا طَلَّقَ؛ فإنَّه قاصدٌ للطَّلاقِ.
---------------
(¬١) رواه مسلم (٢٧٤٧)؛ من حديث أنس بن مالك.
(¬٢) انظر: «شفاء العليل» للمصنف (١/ ٤١٠).

الصفحة 64