كتاب إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان - ت الحفيان

محمولٌ عليه مِن غيرِه، وأنَّ الشيطانَ يُغضِبه ليحمِلَه بغضبه على فِعْلِ ما يحبُّه الشيطان، وعلى التكلُّمِ به.
وما يُضاف إلى الشيطان مما يكرهه العبدُ ولا يحبُّه فلا يؤاخذُ به الإنسان؛ كالوسوسة، والنِّسْيان، كما قال فتى موسى لموسى: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [الكهف: ٦٣]؛ فالله تعالى لا يؤاخذُ بالوسوسة ولا بالنسيان؛ إذْ هما مِن أَثَرِ فِعْلِ الشيطان في القلب، وقد أخبرَ النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّ الغضبَ مِن الشيطان، فيكون أثرُه مضافاً إليه أيضاً، فلا يؤاخذُ به العبدُ كأثرِ النسيان؛ فإنَّه لو حَلَفَ ألَّا يتكلَّمَ بكذا، فتكلَّم به ناسياً - لم يحنث؛ لعدم قَصْدِه وإرادته لمخالفةِ ما عَقَدَ يمينَه عليه، وإنْ كان قاصداً للكلام، فإنَّه لم يقع منه إلا بقصده وإرادته، وهذه حال الغضبان؛ فإنه لم يقصدْ حقيقةَ ما تكلَّم به وموجَبَهُ، بل جرى على لسانِه كما جرى كلامُ النَّاسي على لسانِه، بل قَصْدُ النَّاسي للتكلُّم أظهرُ مِن قَصْدِ الغضبان؛ ولهذا يقول النَّاسي: «قصدتُّ أنْ أقول كذا وكذا»، والغضبانُ يحلِفُ أنَّه لم يقصدْ.
الوجه التاسع: أنَّ القُصُودَ في العقود معتبرةٌ في عَقْدِها كلِّها (¬١)،
---------------
(¬١) قال المؤلف في «إعلام الموقِّعين» (٣/ ٦٦): إيَّاكَ أنْ تُهمل قصدَ المتكلم ونيته وعُرفه؛ فتجني عليه وعلى الشريعة، وتنسب إليها ما هي بريئةٌ منه،
وتلزم الحالف والمقر والناذر والعاقد ما لم يُلْزِمه الله ورسوله به، ففقيه النفس يقول: ما أردتَّ، ونصف الفقيه يقول: ما قلتَ، فاللغو في الأقوال نظير الخطأ والنسيان في الأفعال، وقد رَفَع الله المؤاخذة بها، وهذا كما قال المؤمنون: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البَقَرَة: ٢٨٦]؛ فقال ربهم تبارك وتعالى: قد فعلتُ. اهـ. (القاسمي).

الصفحة 75