كتاب إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان - ت الحفيان

وطائفةٌ: اشترطت مع ذلك أن يأتيَ باللفظ مختاراً قاصداً له، وهو قول الجمهورِ الذين لا يُنْفِذُون طلاق المُكْره.
ثم منهم: مَنِ اشترطَ مع ذلك أن يكون عالماً بمعناه، فإنْ تكلَّم به اختياراً غير عارفٍ بمعناه لم يلزمْه حكمه، وهذا قول مَن يقول: لا يلزم المكلَّف أحكام الأقوال حَتَّى يكون عارفاً بمدلولها. وهذا هو الصَّواب.
ومنهم: مَنِ اشترطَ مع ذلك أن يكون مريداً لمعناه ناوياً له، فإنْ لم ينوِ معناه ولم يُرِدْه لم يلزمه حكمه، وهذا قولُ مَن يَشترطُ لصريح الطَّلاق النية، وقول مَن لا يوقع طلاق الهازل، وهو قولٌ في مذهب الإمام أحمد (¬١) ومالك (¬٢) في المسألتين، فيشترطُ هؤلاء:
---------------
(¬١) لكن المذهب خِلافه! (محمد بن مانع).
تعقبه تلميذه الشيخ زهير الشاويش: «وهذا منه -رحمه الله- تمسكٌ بالمفتى به عند متأخري مذهبه الحنبلي».
(¬٢) قال الشوكاني في «نيل الأوطار» (٥/ ٢٣٥): "وبه قال جماعة من الأئمة، منهم الصادق والباقر والناصر، واستدلوا بقوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البَقَرَة: ٢٢٧] فدلت على اعتبار العزم، والهازل لا عزم منه. اهـ.
وأما حديث: «ثلاث جِدهنّ جِدٌ وهزلهن جِدٌ: النكاح والطلاق والرجعة» المروي في أبي داود (٢١٩٤) والترمذي (١١٨٤)؛ فليس من مرويات الشيخين، ولا من الصحيح لذاته، ولا لغيره. ومثل هذا المقام يحتاج فيه إلى القواطع كما لا يخفى. قال الشوكاني: حديث: «ثلاثٌ جِدهن جِدٌّ» .. إلخ في إسناده عبد الرحمن بن حبيب، وهو مختلف فيه، قال النسائي: منكر الحديث. إلخ (القاسمي).

الصفحة 90