كتاب أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة

وهذا البيان الذي ذكره الربيع بن أنس لأهم صفات المؤمنين الذين هداهم الله عند الاختلاف إلى الحق الذي لا مرية فيه، فتولاهم الله وخصهم بعنايته، جزاء موافقاً لعملهم، حيث رضوا بالله وبدينه ولم يجاوزوه إلى غيره، وهم بهذا الثبات أصبحوا شهداء على معاصريهم بوجود الحق وإمكان معرفته واعتناقه.
وهذه الآية تحمل النور الساطع والدليل القاطع لمن أراد الحق وتحراه، وتثلج صدور المؤمنين الذين حققوا إيمانهم بالثبات على المنهج الأول الذي كان عليه سلف الأمة، ونفروا من المحدثات وحذروا منها، لذلك قال أبو العالية1 -رحمه الله-:"في هذه الآية مخرج من الشبهات والضلالات والفتن"2.
والحق من جهة ظهوره أو خفائه، يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، ففي يعضها يكون ظاهراً يعلن به أهله ويجاهرون به، وفي بعضها يكون مستتراً مضطهداً، يصعب على الناس تعلمه والاهتداء إليه، فيبعث الله عند ذلك من رسله وأنبيائه مَن يبين للناس الحق في أمور دينهم، ويزيل عنهم تلك الظلمات، التي رانت على قلوبهم وعقولهم.
__________
1 هو الإمام المقرئ الحافظ المفسر أبو العالية، رفيع بن مهران الرياحي، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم في زمن أبي بكر، وثقه أبو زرعة وأبو حاتم، توفي 93هـ على الراجح. انظر: سير أعلام النبلاء /2074، وشذرات الذهب 1/102.
2 رواه ابن جرير في جامع البيان 2/339.

الصفحة 86