كتاب فتاوى أركان الإسلام

أن معنى المعية يختلف بحسب ما تضاف إليه، فإن معية الله -تعالى- لخلقه تختلف عن معية المخلوقين لمثلهم، ولا يمكن أن تقتضي المزج والاختلاط، أو المشاركة في المكان، لأن ذلك ممتنع على الله -عز وجل- لثبوت مباينته لخلقه وعلوه عليهم. وعلى هذا يكون معنا وهو على العرش فوق السماوات، لأنه محيط بنا علماً، وقدرة، وسلطاناً، وسمعاً، وبصراً، وتدبيراً، وغير ذلك مما تقتضيه ربوبيته، فإذا فسرها مفسر بالعلم لم يخرج بها عن مقتضاها، ولم يكن متأولاً إلا عند من يفهم من المعية المشاركة في المكان أو المزج والاختلاط على كل حال. وقد سبق أن هذا ليس بمتعين في كل حال.
هذا بالنسبة لما نقل عن الإمام أحمد في تأويل هذه النصوص الثلاثة.
أما بالنظر لها من حيث هي فقد تقدم قريباً أنه لا تأويل في الآية الكريمة إذا فسرها مفسر بالعلم، لأنه تفسير لها ببعض مقتضياتها، لا نقل لها عن المعنى الذي تقتضيه.
وأما حديث: ((إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء)) . فقد رواه مسلم في صحيحه في كتاب القدر في الباب الثالث منه رقم 17 ص2045، وليس فيه تأويل عند أهل السنة والجماعة حيث يؤمنون بما دل عليه من إثبات الأصابع لله -تعالى- على الوجه اللائق به، ولا يلزم من كون قلوبنا بين أصبعين منها أن تماس القلب، فإن السحاب مسخر بين السماء والأرض، ولا يمس السماء ولا الأرض، فكذلك

الصفحة 71