كتاب فتاوى أركان الإسلام

أما دلالة العقل: فيقال لا ريب أن العلو صفة كمال، وأن ضده نقص، والله تعالى قد ثبت له صفات الكمال فوجب ثبوت العلو له تعالى، ولا يلزم على إثباته له شيء من النقص، فإنا نقول إن علوه تعالى ليس متضمناً لكون شيء من مخلوقاته محيطاً به، ومن ظن أن إثبات العلو لم يستلزم ذلك فقد وهم في ظنه، وضل في عقله.
وأما دلالة الفطرة على علو الله تعالى بذاته: فإن كل داع لله تعالى دعاء عبادة، أو دعاء مسألة لا يتجه قلبه حين دعائه إلا إلى السماء، ولذلك تجده يرفع يديه إلى السماء بمقتضى فطرته، كما قال ذلك الهمداني لأبي المعالي الجويني: ((ما قال عارف قط يا رب إلا وجد من قلبه ضرورة بطلب العلو)) . فجعل الجويني يلطم على رأسه ويقول: ((حيرني الهمداني، حيرني الهمداني)) . هكذا نقل عنه، سواء صحت عنه أم لم تصح، فإن كل أحد يدرك ذلك، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، إلى آخر الحديث (¬1) ثم إنك تجد الرجل يصلي وقلبه نحو السماء لا سيما حين يسجد. ويقول: ((سبحان ربي الأعلى)) (¬2) . لأنه يعلم أن معبوده في السماء سبحنه وتعالى.
وأما قولهم: ((إن الله -تعالى- عن الجهات الست خالٍ)) ، فهذا القول على عمومه باطل، لأنه يقتضي إبطال ما أثبته الله تعالى
¬_________
(¬1) تقدم تخريجه.
(¬2) تقدم تخريجه.

الصفحة 81