كتاب فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية ت يوسف السعيد

وكان من سنة الحُمس1 أنهم لا يخرجون أيام المواسم إلى عرفات, إنما يقفون بمزدلفة, وكانوا لا يسلؤون, ولا يأقطون ولا يرتبطون عنزا ولا بقرة, ولا يغزلون صوفا ولا وبرا, ولا يدخلون بيتا من الشعر والمدر, وإنما يكتنون بالقباب الحمر في الأشهر الحرم, ثم فرضوا على العرب قاطبة أن يطرحوا أزواد الحلّ إذا دخلوا الحرم, وأن يتركوا ثياب الحل, ويستبدلونها بثياب الحرم, إما اشتراء وإما عارية وإما هدية, فإن وجدوا وإلا طافوا البيت عرايا.
وفرضوا على نساء العرب مثل ذلك, غير أن المرأة كانت تطوف في مُفرّج القوائم والمواخير.
قالت امرأة2 وهي تطوف بالبيت:
اليوم يبدوا بعضه أو كله ... وما بذا منه فلا أحله
أختم مثل القِعب باد ظلّه ... كأن حمّى خيبر تمُلّه
وكلّفوا العرب أن يفيضوا من مزدلفة, وقد كانوا يفيضون من عرفة, إلى غير ذلك من الأمور التي ابتدعوها وشرعوها3, مما لم يأذن به الله.
__________
1 الحمس: قريش وما ولدت, ومن كان مأخذها من القبائل كالأوس والخزرج وخزاعة وثقيف وغزوان وبني عامر وبني صعصعة وجديلة قيس وبني كنانة إلا بني بكر, سموا بذلك لأنهم تحمسوا- أي: تشددوا- في دينهم, فكانوا يرون التزهد, وقيل: بل سموا بالكعبة, لأنها حمساء: حجرها أبيض يميل إلى السواد, والأول أشهر.
انظر: "المعلم بفوائد مسل" للمازري (2/58) , "الروض الأنف" (1/229) , "فتح الباري" (3/603) .
2 هي ضباعة بنت عامر بن صعصعة, كما في "الروض الأنف" (1/134) .
3 في المطبوع "وتشرعوها"

الصفحة 102