كتاب فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية ت يوسف السعيد

{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} : لم يريدوا بهذا الكلام الاعتذار عن ارتكاب القبيح, إذ لم اعتقدوا قبح أفعالهم, بل هم –كما نطقت به الآيات- يحسبون أنهم يحسنون صنعا, ,أنهم إنما يعبدون الأصنام ليقربوهم إلى الله زلفى, وأن التحريم إنما كان من الله عز وجل, فما مرادهم بذلك إلا الاحتجاج على أن ما ارتكبوه حق مشروع ومرضي عند الله تعالى على أن المشيئة والإرادة تساوي الأمر, وتستلزم الرضى1, كما زعمت المعتزلة2, فيكون حاصل كلامهم: أن ما نرتكبه من الشرك والتحريم وغيرهما تعلقت به مشيئة الله سبحانه وإرادته, فهو مشروع مرضي عند الله تعالى.
وبعد أن حكى الله سبحانه وتعالى ذلك عنهم, رد عليهم بقوله عز من قائل: {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} , وهم أسلافهم المشركون.
وحاصله أن كلامهم يتضمن تكذيب الرسل عليهم السلام.
وقد دلت المعجزة على صدقهم.
__________
1 انظر: "المغني في أبواب العدل والتوحيد" للقاضي عبد الجبار (6/القسم الثاني/ ص 51-54) .
2 المعتزلة: فرقة ظهرت في الإسلام أوائل القرن الثاني: وسلكت منهجا عقليا متطرفا في بحث العقيدة الإسلامية, لهم بدع كثيرة, منها ما ابتدعوه من أصولعم الخمسة: التوحيد, والعدل, والوعد والوعيد, والمنزلة بين المنزلتين. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهم فرق شتى.
انظر في شأنها "مقالات الإسلاميين (1/235) , والتنبيه والرد ص 35, والفرق بين الفرق ص 114, والملل والنحل للبغدادي ص 183, والفصل (5/57) , التبصير في الدين ص 63, والملل والنحل (1/43) , اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 38, البرهان ص 49, مذاهب الفرق: ص 49, خبيئة الأكوان ص 15.

الصفحة 126