كتاب فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية ت يوسف السعيد

أو نقول: حاصله: أن ما شاء الله يجب, وما لم يشأ يمتنع, وكل ما هذا شأنه فلا تكليف به, لكونه مشروطا بالاستطاعة, فينتج: أن ما ارتكبه من الشرك وغيره, لم يكلف بتركه, ولم يبعث له نبي, فرد الله تعالى عليهم بأن هذه كلمة صدق أريد به باطل, لأنهم أرادوا بها أن الرسل عليهم السلام, في دعواهم البعثة والتكليف كاذبون, وقد ثبت صدقهم بالدلائل القطعية, ولكون1 ذلك صدقا أريد به باطل, ذمهم الله تعالى بالتكذيب.
ووجوب وقوع متعلق المشيئة لا ينافي صدق دعوى البعثة والتكليف, لأنهما لإظهار المحجة وإبلاغ الحجة.
{حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} , أي: نالوا عذابنا الذي أنزلناه عليهم بتكذيبهم, وفيه إيماء على أن لهم عذابا مدخرا عند الله تعالى, لأن الذوق أول إدراك الشيء.
{قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} , أي: هل لكم من علم بأن2, الإشراك وسائر ما أنتم عليه مرضي لله- فتظهروه لنا بالبرهان؟.
وهذا دليل على أن المشركين أمم استوجبوا التوبيخ على قولهم ذلك, لأنهم كانوا يهزؤون بالدين, ويبغون رد دعوة الأنبياء عليهم السلام, حيث قرع مسامعهم من شرائع الرسل عليهم السلام تفويض الأمور إليه سبحانه وتعالى, فحين طالبوهم بالإسلام, والتزام الأحكام, احتجوا عليهم بما أخذوه من كلامهم مستهزئين بهم-عليهم الصلاة والسلام-, ولم يكن غرضهم ذكر ما ينطوي عليه عقدهم, كيف لا والإيمان بصفات
__________
1 في المطبوع: "ولكونه"
2 في المخطوط: أي.

الصفحة 127