كتاب فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية ت يوسف السعيد

ويكفي في الانقلاب ما يشير إليه قوله سبحانه: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} , والمراد بما حرموه: السوائب والبحائر وغيرها.
وفي تخصيص الاشتراك والتحريم بالنفي, لأنهما أعظم وأشهر ما هم عليه, وغرضهم من ذلك تكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام, والطعن في الرسالة أصلا, فإن حاصله: أي ما شاء الله يجب, وما لم يشأ يمتنع, فلو أنه سبحانه وتعالى شاء أن نوحده ولانشرك به شيئا ونحلل ما أحله ولا نحرم شيئا مما حرمنا كما تقول الرسل وينقلونه من جهته تعالى, لكان الأمر كما شاء من التوحيد ونفي الإشراك, وتحليل ما أحله, وعدم تحريم شيء من ذلك, وحيث لم يكن كذلك, ثبت أنه لم يشأ شيئا من ذلك, بل شاء ما نحن عليه, وتحقق أن ما يقوله الرسل عليهم السلام من تلقاء أنفسهم.
فرد الله تعالى عليهم بقوله: {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من الأمم, أي: أشركوا بالله تعالى, وحرموا من دونه ما حرموا, وجادلوا رسلهم بالباطل ليدحضوا به الحق.
{فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} , أي: ليست وظيفتهم إلا البلاغ للرسالة, الموضح طريق الحق, والمظهر أحكام الوحي التي منها تحتم تعلق مشيئته تعالى باهتداء من صرف قدرته واختياره إلى تحصيل الحق, لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} 1.
وأما إلجاؤهم إلى ذلك, وتنفيذ قولهم عليه شاؤوا أو أبوا كما هو مقتضى استدلالهم, فليس ذلك من وظيفتهم, ولا من الحكمة التي يتوقف
__________
1 العنكبوت: 69

الصفحة 131