كتاب فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية ت يوسف السعيد

وفي سورة الحجر: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} 1.
إلى غير ذلك من الآيات الناصة على أن الله تعالى لم يخلق شيئا من غير حكمة ولا علة, على خلاف ما يعتقده أهل الباطل من الجاهليين, ومن نحى نحوهم من هذه الأمة ممن نفى الحكمة عن أفعاله سبحانه وتعالى.
وهذه المسألة طويلة الذيل, قد كثر فيها الخصام بين فرق المسلمين, والحق ما كان عليه السلف من إثبات الحكمة والتعليل.
وقد أطنب الكلام عليها الحافظ ابن القيم في كتابه " شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والتعليل", وعقد بابا مفصلا في طرق إثبات حكمة الرب تعالى في خلقه وأمره, وإثبات الغايات المطلوبة والعواقب الحميدة التي فعل وأمر لأجلها.
ومن جملة ما قال في هذا الباب: " إنه سبحانه وتعالى أنكر2 على من زعم أنه لم يخلق الخلق لغاية ولا بحكمة, كقوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} , وقوله: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} , وقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ. مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} , والحق: هو الحكم والغايات المحمودة, التي لأجلها خلق ذلك كله, وهو أنواع كثيرة:
منها: أن يعرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله وآياته.
ومنها: أن يحب ويعبد ويشكر ويذكر ويطاع
__________
1 الحجر: 85
2 في شفاء العليل: "إنكاره سبحانه".

الصفحة 145