كتاب فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية ت يوسف السعيد

والشهداء من المؤمنين قاتلوا باختيارهم, وفعلوا الأسباب التي بها قتلوا, كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فهم احتاروا هذا الموت, إما أنهم قصدوا الشهادة, وإما أنهم قصدوا ما به يصيرون شهداء عالمين بأن لهم السعادة فب الآخرة, وفي الدنيا بانتصار طائفتهم وببقاء لسان الصدق لهم ثناء ودعاء, بخلاف من هلك من الكفار, فإنهم هلكوا بغير اختيارهم هلاكا لا يرجون معه سعادة الآخرة, ولم يحصل لهم ولا لطائفتهم شيء من سعادة الدنيا, بل أتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين, وقيل فيهم: {كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ. كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ. فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ} 1.
وقد أخبر سبحانه أن كثيرا من الأنبياء قتل معه ربيون كثير, أي: ألوف كثيرة, وأنهم ما ضعفوا ولا استكانوا لذلك, بل استغفروا من ذنوبهم التي كانت سبب ظهور العدو, وأن الله تعالى آتاهم ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.
فإذا كان هذا قتل المؤمنين, فما الظن بقتل الأنبياء؟ ففيه لهم ولأتباعهم من سعادة الدنيا والآخرة ما هو من أعظم الفلاح.
وظهور الكفار على المؤمنين أحيانا هو بسبب ذنوب المسلمين, كيوم أحد, فإن تابوا انتصروا على الكفار, وكانت العاقبة لهم, كما قد جرى مثل هذا للمسلمين في عامة ملاحمهم مع الكفار.
وهذا من آيات النبوة وأعلامها ودلائلها, فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاموا بعهوده ووصاياه, ونصرهم الله, وأظهرهم على
__________
1 الدخان: 25-29.

الصفحة 162