كتاب فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية ت يوسف السعيد

وأما الأنبياء فإنهم يبتلون كثيرا ليمحصوا البلاء, فإن الله تعالى إنما يمكن للعبد إذا ابتلاه, ويظهر أمره شيئا فشيئا, كالزرع. قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} , أي: فراخه {فَآزَرَهُ} , أي: قوّاه {فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} 1.
ولهذا كان أول من يتبعهم2 ضعفاء الناس باعتبار هذه الأمور.
وسنة الله في أنبياء الله وأوليائه الصادقين, وفي أعداء الله والمتنبئين الكذابين مما يوجب الفرق بين النوعين, وبين دلائل النبي الصادق ودلائل المتنبي الكاذب.
وقد ذكر ابتلاء النبي والمؤمنين ثم كون العاقبة لهم في غير موضع:
كقوله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} 3.
وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} 4.
__________
1 الفتح: 29.
2 فب المطبوع "اتبعهم"
3 الأنعام: 34.
4 البقرة: 214.

الصفحة 170