كتاب فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية ت يوسف السعيد

التاسعة: الاستدلال على المطلوب, والاحتجاج بقوم أعطوا من القوة في الفهم والإدراك, وفي القدرة والملك, ظنا أن ذلك يمنعهم من الضلال.
فردّ الله تعالى ذلك عليهم بقوله سبحانه, في "الأحقاف": {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ. تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ. وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} 1.
ومعنى الآية: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ} أي: قوّينا2 عادا وأقدرناهم.
و"ما" في قوله تعالى: {فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ} موصولة أو موصوفة, و"عن" نافية, أي: في الذي, أو في شيء ما مكناكم فيه من السعة والبسطة وطول الأعمار وسائر مبادي التصرفات, كما في قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ3 أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} 4 , ولم يكن النفي بلفظ "ما" كراهة لتكرير اللفظ, وإن اختلف المعنى, {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً} ليستمعلوها فيما خلقت له, ويعرفوا
__________
1 الأحقاف: 24-26
2 في المخطوطة "قرونا".
3 في المخطوطة "وكم" وهو خطأ.
4 الأنعام: 6

الصفحة 68