كتاب فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية ت يوسف السعيد

بكل1 منها ما نيطت به معرفته من فنون النعم, ويستدل بها على شؤون منعمها عز وجل, ويداوموا على شكره جل ثناؤه.
{فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ} حيث لم يستعملوه في استماع الوحي ومواعظ الرسل, {وَلا أَبْصَارُهُمْ} حيث لم يستعملوها في معرفة الله تعالى {مِّن شَيْءٍ} أي: شيئا من الأشياء2, و "من" مزيدة للتوكيد, وقوله: {إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} تعليل للنفي.
{وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء, ويقولون: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} .
فهذه الآية تبطل الاحتجاج يقوم أعطوا من القوة في الفهم والإدراك وسعة الأذهان وغير ذلك ما لم يكن مثله للعرب الذين أدركوا الإسلام, ومع ذلك ضلوا عن سواء السبيل, وكذبوا الرسل بالأباطيل, فالتوفيق للإيمان بالله ورسله, والإذعان للحق, وسلوك سبله, إنما هو فضل من الله تعالى لا لكثرة مال ولا لحسن حال, ومن يرُدّ الحق ويستدل بكون من هو أحسن حالا منه لم يقبله, ولم يحكم عقله, ويتبع ما يوصل غليه الدليل, فقد سلك سبيل الجاهلية, وحاد عن الحجة المرضية.
ومثل هذه الآية: قوله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} 3.
__________
1 في المطبوع "لكل "
2 في المخطوطة " الأعباء"
3 البقرة: 89

الصفحة 69