كتاب فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية ت يوسف السعيد

كان اليهود يعلمون من كتبهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم, وأن الله سيرسل نبيا كريما من العرب, وكانوا من قبل يستفتحون على المشركين ببعثته, ويقولون: يا ربنا أرسل النبي الموعود إرساله, حتى ننتصر على الأعداء, فلما جاءهم عرفوا, وهو محمد صلى الله عليه وسلم, كفروا به, حسدا منهم أن تكون النبوة في العرب, وهم يزعمهم أحسن أثاثا ورئيا, ولم يعلموا أن النبوة والإيمان بها فضل من الله يؤتيه من يشاء.
ومثلها أيضا قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} .
الضمير في قوله: {يَعْرِفُونَهُ} عائد على العلم في قوله: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ} , فكتمانه الحق, وعدم جريهم على مقتضى علمهم لما فيهم من الجاهلية, والاعتقاد أن فضل الله مقصور عليهم ولا يتعداهم على غيرهم.
وآية "الأنعام" موافقة لهذه الآية لفظا ومعنى, وهي قوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} .
__________
البقرة: 146-147
في المخطوط "يعرفون" وهو خطأ.
الأنعام: 19-20

الصفحة 70