كتاب فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية ت يوسف السعيد

مقدّر يقتضيه المقام, أي: أتعرفون ذلك, أي: مضمون قوله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} , فلا تتقون عذابه تعالى الذي يستوجبه ما أنتم عليه من ترك عبادته سبحانه وحده وإشراككم به عز وجل في العبادة ملا يستحق الوجود لولا إيجاد الله إياه, فضلا عن استحقاق العبادة, فالمنكر عدم الاتقاء, مع تحقق ما يوجبه.
{فَقَالَ الْمَلأُ} أي: الأشراف الذين كانوا من قومه, وصف الملأ بالكفر مع اشتراك الكل فيه, للإيذان بكمال عراقتهم وشدة شكيمتهم فيه, وليس المراد من ذلك إلا ذمهم, دون التميز عن أشراف آخرين آمنوا بع عليه السلام, أو لم يؤمن به أحد من أشرافهم, كما يفصح عنه قوله: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا} وهذا القول صدر منهم لعوامهم.
{مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} أي: في الجنس والوصف, من غير فرق بينكم وبينه.
وصفوه عليه السلام بذلك مبالغة في وضع رتبته العالية وحطها عن منصب النبوة, ووصفوه1 بقوله سبحانه وتعالى: {يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} : إغضابا للمخاطبين عليه السلام وإغراء لهم على معاداته.
والتفضل: طلب الفضل, وهو كناية عن السيادة, كأنه قيل: يريد أن يسودكم ويتقدمكم بادعاء الرسالة مع كونه مثلكم.
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً} : بيان لعدم رسالة البشر على الإطلاق على زعمهم الفاسد, بعد تحقيق بشريته عليه السلام.
أي: ولو شاء الله تعالى إرسال الرسل, لأرسل رسلا من الملائكة,
__________
1 في المطبوع "وصفوه".

الصفحة 80