كتاب فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله

1 هذا الحديث هو آخر الأحاديث التي أوردها النووي رحمه الله في كتابه الأربعين، وقد زادت على الأربعين حديثين، فيكون إطلاق الأربعين عليها من تغليب اللفظ وحذف الكسر الزائد في العدد، وهو من الأحاديث القدسية التي يرويها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربِّه تبارك وتعالى.
2 الخطابُ في الحديث لبني آدم، وهو مشتملٌ على أنَّ من أسباب مغفرة الذنوب دعاء الله ورجاءه مغفرةَ الذنوب والاستغفار منها والإخلاص لله والسلامة من الشرك، ومعنى مغفرة الذنوب سترها عن الخلق والتجاوز عنها، فلا يُعاقب عليها.
3 قوله: "يا ابن آدم! إنَّك ما دعوتَني ورجوتنِي غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي"، دعاء العبد ربّه مغفرة ذنوبه، ورجاؤه ذلك منه دون يأس، مع التوبة من الذنوب يحصل به من الله المغفرة ولو عظُمت الذنوب وكثرت وتكرَّرت، ولهذا قال: "على ما كان منك ولا أبالي"، ونظير هذا قول الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
4 قوله: "يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبُك عَنان السماء ثم استغفرتني غفرتُ لك"، لو كثرت ذنوب العبد حتى بلغت عَنان السماء، أي: بلغت السماء أو ما دون ذلك كالسحاب أو ما يبلغه بصر الناظر إلى فوق، ثم حصل من العبد الاستغفار مع التوبة من جميع الذنوب، فإنَّ الله تعالى يغفر تلك الذنوب ويتجاوز عنها، والتوبة تكون بالإقلاع من الذنب، والندم على ما فات، والعزيمة في المستقبل على ألاَّ يعود إليه،

الصفحة 136