كتاب تأويل مختلف الحديث

ضعفهم بِاللُّغَةِ وَالْمَعْرِفَةِ:
وَأَمَّا طَعْنُهُمْ عَلَيْهِمْ بِقِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ لِمَا يَحْمِلُونَ، وَكَثْرَةِ اللَّحْنِ وَالتَّصْحِيفِ، فَإِنَّ النَّاسَ لَا يَتَسَاوُونَ جَمِيعًا فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْفَضْلِ، وَلَيْسَ صِنْفٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا وَلَهُ حَشْوٌ وَشَوْبٌ.
فَأَيْنَ هَذَا العائب لَهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَعْلَمِ النَّاسِ بِكُلِّ فَنٍّ، وَحَمَّادِ بْنِ1 سَلَمَةَ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَأَيُّوبَ، وَيُونُسَ بْنِ2 عُبَيْدٍ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ3 سَعِيدٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ4، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ مِنَ الْمُتْقِنِينَ؟
الْمُنْفَرِدُ بِفَنٍّ لَا يُعَابُ بِالزَّلَلِ فِي غَيْرِهِ:
عَلَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ بِفَنٍّ مِنَ الْفُنُونِ، لَا يُعَابُ بِالزَّلَلِ فِي غَيْرِهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُحَدِّثِ عَيْبٌ أَنْ يَزِلَّ فِي الْإِعْرَابِ، وَلَا عَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يَزِلَّ فِي الشِّعْرِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ ذِي عِلْمٍ أَنْ يُتْقِنَ فَنَّهُ، إِذَا احْتَاجَ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهِ، وَانْعَقَدَتْ لَهُ الرِّئَاسَةُ بِهِ.
وَقَدْ يَجْتَمِعُ لِلْوَاحِدِ عُلُومٌ كَثِيرَةٌ، وَاللَّهُ يُؤْتِي الْفضل من يَشَاء.
__________
1 حَمَّاد بن سَلمَة بن دِينَار الْبَصْرِيّ الربعِي بِالْوَلَاءِ، أَبُو سَلمَة مفتي الْبَصْرَة، وَأحد رجال الحَدِيث، وَمن النُّحَاة، كَانَ حفاظًأ ثِقَة مَأْمُونا إِلَّا أَنه لما كبر سَاءَ حفظه فَتَركه البُخَارِيّ، أما مُسلم فاجتهد وَأخذ من حَدِيثه بعض مَا سمع مِنْهُ قبل تغيره، وَكَانَ فَقِيها فصيحًا مفوهًا شَدِيدا على المبتدع توفّي 167هـ.
2 يُونُس بن عبيد بن دِينَار الْعَبْدي بِالْوَلَاءِ، الْبَصْرِيّ. من حفاظ الحَدِيث الثِّقَات، من أَصْحَاب الْحسن الْبَصْرِيّ، كَانَ من أهل الْبَصْرَة يَبِيع بهَا الْخَزّ ونعته الذَّهَبِيّ بِأحد أَعْلَام الْهدى توفّي 139هـ.
3 يحيى بن سعيد بن قيس الْأنْصَارِيّ البُخَارِيّ قَاض من أكَابِر أهل الحَدِيث من أهل الْمَدِينَة. قَالَ الجُمَحِي: مَا رَأَيْت أقرب شبها من الزُّهْرِيّ من يحيى بن سعيد، ولولاهما لذهب كثير من السّنَن. توفّي عَام 143هـ.
4 ابْن جريج: هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج فَقِيه الْحرم الْمَكِّيّ كَانَ إِمَام أهل الْحجاز فِي عصره، ولد عَام 80هـ وَهُوَ أول من صنف التصانيف فِي الْعلم بِمَكَّة توفّي 150هـ.

الصفحة 133