كتاب تأويل مختلف الحديث

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} 1.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْقَيْسِيُّ -وَكَانَ مِنَ الْبَكَّائِينَ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهُ- سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ يَقُولُ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ هِيَ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ قَوْلِ مُوسَى: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} 2.
فَقُلْتُ لَهُ: فَالْقُرْآنُ يَشْتَدُّ عَلَيْكَ، وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ كَلِمَةً أَبَدًا، فَمَا كَلَّمْتُهُ3 حَتَّى مَاتَ.
طَعْنُ الْقَدَرِيَّةِ بِالثِّقَاتِ:
وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشَّهِيدِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ النَّضْرِ قَالَ: مَرَرْتُ بِعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَذَكَرَ شَيْئًا، فَقُلْتُ: مَا هَكَذَا يَقُولُ أَصْحَابُنَا.
قَالَ: وَمَنْ أَصْحَابُكَ؟
قُلْتُ: أَيُّوبُ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَيُونُسُ، وَالتَّيْمِيُّ.
فَقَالَ: أُولَئِكَ أَرْجَاسٌ أَنْجَاسٌ، أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ، غُرَّةُ أَهْلِ زَمَانِهِمْ، فِي الْعِلْمِ، وَالْفِقْهِ، وَالْاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ، وَطِيبِ الْمَطْعَمِ، وَقَدْ دَرَجُوا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنَ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أُولَئِكَ أَيْضًا عِنْدَهُ أَرْجَاسٌ أَنْجَاسٌ.
فَإِنِ ادَّعَوْا أَنَّ الَّذِينَ دَرَجُوا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ، لَمْ يَكُونُوا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِمثل مقالتهم فِي الْقدر.
__________
1 الْآيَة 9 من سُورَة الْأَنْعَام.
2 الْآيَة 155 من سُورَة الْأَعْرَاف.
3 وَفِي نُسْخَة: فَمَا كَلمه.

الصفحة 140