كتاب تأويل مختلف الحديث

قُلْنَا لَهُمْ: فَلِمَ تَعَلَّقْتُمْ بِالْحَسَنِ، وَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، وَغَيْلَانَ؟
أَلَا تَعَلَّقْتُمْ بـ "عليّ" وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَمُعَاذٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَشْبَاهِ هَؤُلَاءِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَعْظَمَ فِي الْقُدْوَةِ، وَأَثْبَتَ فِي الْحُجَّةِ، مِنْ قَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُمْ يَكْتُبُونَ الْحَدِيثَ عَنْ رجال من مخالفيهم، كـ "قَتَادَة"، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ1 وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَيَمْتَنِعُونَ عَنِ الْكِتَابَةِ عَنْ مِثْلِهِمْ، مِثْلَ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، وَعَمْرِو2 بْنِ فَائِدٍ، وَمَعْبَدٍ3 الْجُهَنِيِّ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَتَبُوا عَنْهُمْ، أَهْلُ عِلْمٍ وَأَهْلُ صِدْقٍ فِي الرِّوَايَةِ.
وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، فَلَا بَأْسَ بِالْكِتَابَةِ عَنْهُ، وَالْعَمَلِ بِرِوَايَتِهِ، إِلَّا فِيمَا اعْتَقَدَهُ مِنَ الْهَوَى، فَإِنَّهُ لَا يَكْتُبُ عَنْهُ، وَلَا يَعْمَلُ بِهِ.
كَمَا أَنَّ الثِّقَةَ الْعَدْلَ، تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ، وَلَا لِابْنِهِ، وَلَا لِأَبِيهِ، وَلَا فِيمَا جرَّ إِلَيْهِ نَفَعًا، أَوْ دَفَعَ عَنْهُ ضَرَرًا.
وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ قَبُولِ قَوْلِ الصَّادِقِ، فِيمَا وَافَقَ نِحْلَتَهُ، وَشَاكَلَ هَوَاهُ، لِأَنَّ نَفْسَهُ تُرِيهِ أَنَّ الْحَقَّ فِيمَا اعتقده، وَأَن الْقرب إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي تَثْبِيتِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَلَا يُؤْمَنُ مَعَ ذَلِكَ، التَّحْرِيفُ، وَالزِّيَادَةُ، وَالنُّقْصَانُ.
فَإِنْ قَالُوا: فَإِنَّ أَهْلَ الْمَقَالَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، يَرَى كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ أَنَّ الْحَقَّ فِيمَا اعْتَقَدَهُ وَأَنَّ مُخَالِفَهُ عَلَى ضَلَالٍ وَهَوًى، وَكَذَلِكَ أَصْحَاب الحَدِيث، فِيمَا انتحلوا.
__________
1 ابْن أبي نجيح: هُوَ عبد الله بن يسَار، ثِقَة صَالح الحَدِيث، ويذكرون أَنه كَانَ يَقُول بِالْقدرِ. وَذكره النَّسَائِيّ فِيمَن كَانَ يُدَلس، وثقَّه أَحْمد وَابْن معِين، وروى عَنهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، مَاتَ سنة 131هـ.
2 عَمْرو بن فائد. جَاءَ فِي الْمِيزَان: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: ذَاك عندنَا ضَعِيف يَقُول بِالْقدرِ، وَقَالَ الْعقيلِيّ: كَانَ يذهب إِلَى الْقدر والاعتزال وَلَا يُقيم الحَدِيث.
3 معبد الْجُهَنِيّ: قدري بَصرِي. وَجَاء فِي الْمِيزَان: "صَدُوق فِي نَفسه وَلكنه سنّ سنة سَيِّئَة فَكَانَ أول من تكلم فِي الْقدر، قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ، هُوَ ضالٌّ مُضِلّ".

الصفحة 141