كتاب تأويل مختلف الحديث

ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ادَّعَوْا عَلَيْهَا التَّنَاقُض:
قَالُوا: حَدِيثٌ يُخَالِفُ آيَةً
1- أَخْذُ الْعَهْدِ عَلَى ذُرِّيَّةِ آدَمَ:
فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ، ذَكَرُوا أَنَّهُ يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالُوا: رَوَيْتُمْ: "أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَسَحَ عَلَى ظَهْرِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ 1، وَأَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّتَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَمْثَالَ الذَّرِّ، {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} ".
وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} 2 لِأَنَّ الْحَدِيثَ يُخْبِرُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ وَالْكِتَابُ يُخْبِرُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ ظُهُورِ بَنِي آدَمَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمُوا، بَلِ الْمَعْنَيَانِ مُتَّفِقَانِ، بِحَمْدِ اللَّهِ ومنِّه، صَحِيحَانِ لِأَنَّ الْكِتَابَ يَأْتِي بِجُمَلٍ، يَكْشِفُهَا الْحَدِيثُ، واختصارٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ السُّنَّةُ.
أَلَّا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَ مَسَحَ ظَهَرَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَى مَا جَاءَ
__________
1 أخرجه أَبُو دَاوُد: ج5 رقم 4703، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير حَدِيث 3076 تَفْسِير سُورَة الْأَعْرَاف وَقَالَ: "هَذَا حَدِيث حسن" وَنسبه الْمُنْذِرِيّ للنسائي أَيْضا، وَقد صَححهُ الألباني: انْظُر صَحِيح الْجَامِع رقم 5208.
غير أَن مَا وَجَدْنَاهُ فِي سنَن أبي دَاوُد بِلَفْظ: "أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدم ثمَّ مسح على ظَهره بِيَمِينِهِ فاستخرج مِنْهُ ذُرِّيَّة، فَقَالَ: خلقت هَؤُلَاءِ للنار وبعمل أهل النَّار يعْملُونَ ".
2 الْآيَة 172 من سُورَة الْأَعْرَاف.

الصفحة 145