كتاب تأويل مختلف الحديث

قَالُوا: حَدِيثَانِ مُتَنَاقِضَانِ
2- اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ:
قَالُوا: رَوَيْتُمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ" 1.
وَرَوَيْتُمْ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحِذَّاءِ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: "ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ قَوْمًا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَلَائِهِ، فَاسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ" 2.
قَالُوا: وَهَذَا خِلَافُ ذَاكَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ، يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّسْخُ، لِأَنَّهُ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَكَيْفَ لَمْ يَذْهَبُوا إِلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا نَاسِخٌ، وَالْآخَرَ مَنْسُوخٌ؟ إِذْ كَانَ قَدْ ذَهَبَ عَلَيْهِمُ الْمَعْنَى فِيهِمَا.
وَلَيْسَا عِنْدَنَا مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَلَكِنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْضِعٌ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ.
فَالْمَوْضِعُ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ تُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةُ فِيهِ بِالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، هِيَ الصَّحَارِي والبراحات3.
__________
1 أخرجه أَبُو دَاوُد: طَهَارَة 4، وَابْن ماجة طَهَارَة 18، وَأحمد 5/ 415 و430 و438 و439، وأصل الحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي أَيُّوب، وَفِي مُسلم من حَدِيث سلمَان الْفَارِسِي.
2 أخرجه أَحْمد فِي مُسْنده: 6/ 183.
3 البراحات: الْأَرَاضِي الَّتِي لَا شجر فِيهَا وَلَا زرع.

الصفحة 148