كتاب تأويل مختلف الحديث

أدخلاها، فَيُقَالُ مَا ذَنْبُهُمَا، وَلَكِنَّهُمَا خُلِقَا مِنْهَا، ثُمَّ رُدَّا إِلَيْهَا.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّمْسِ -حِينَ غَرَبَتْ فِي نَارِ اللَّهِ الْحَامِيَةِ: "لَوْلَا مَا يَزَعُها مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَأَهْلَكَتْ مَا عَلَى الْأَرْضِ" 1.
وَقَالَ: "مَا تَرْتَفِعُ فِي السَّمَاءِ قَصْمَةً 2 إِلَّا فُتِحَ لَهَا بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ، فَإِذَا قَامَتِ الظَّهِيرَةَ، فُتِحَتِ الْأَبْوَابُ كُلُّهَا ".
وَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ شِدَّةَ حَرِّهَا مِنْ فَوْحِ جَهَنَّمَ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
"أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَوْحِ جَهَنَّمَ" 3.
فَمَا كَانَ مِنَ النَّارِ، ثُمَّ رُدَّ إِلَى النَّارِ لَمْ يُقَلْ: إِنَّهُ يُعَذَّبُ.
وَمَا كَانَ مِنَ الْمُسَخَّرِ الْمَقْصُورِ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ، كَالنَّارِ، وَالْفُلْكِ الْمُسَخَّرِ الدَّوَّارِ4، وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، لَا يَقَعُ بِهِ تعذيبٌ، وَلَا يَكُونُ لَهُ ثوابٌ.
وَمَا مِثْلُ هَذَا إِلَّا مِثْلُ رَجُلٍ سَمِعَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} 5 فَقَالَ: مَا ذَنْب الْحِجَارَة؟.
__________
1أخرجه أَحْمد جـ2 ص207.
2 مَا ترْتَفع: أَي الشَّمْس، والقصمة: الدرجَة.
3 أخرجه البُخَارِيّ: كتاب 9 بَاب 9 و10 و12 وَكتاب 59 بَاب 10.
وَمُسلم: كتاب 5 حَدِيث 180-187، وَأَبُو دَاوُد كتاب 2 بَاب 4، وَالتِّرْمِذِيّ: كتاب 2 بَاب 5، وَالنَّسَائِيّ كتاب 6 بَاب 4 و5، وَابْن ماجة كتاب 2 بَاب 4.
فوح: شدَّة الْحر.
4 فِي نُسْخَة أُخْرَى: للدوران.
5 سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة 24.

الصفحة 166