كتاب تأويل مختلف الحديث

قِيلَ: فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهُنَّ؟
قَالَ: "إِذَا تَطَيَّرْتَ فَلَا تَرْجِعُ، وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقُ، وَإِذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ" هَذِهِ الْأَلْفَاظُ1 أَوْ نَحْوُهَا.
وَحَدَّثَنِي أَبُو حَاتِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَصْمَعِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَعْجَبُ، مِمَّنْ يُصَدِّقُ بِالطِّيَرَةِ، وَيَعِيبُهَا أَشَدَّ الْعَيْبِ.
وَقَالَ: فَرَقَتْ2 لَنَا نَاقَةٌ: وَأَنَا بِالطَّفِّ، فَرَكِبْتُ فِي أَثَرِهَا، فَلَقِيَنِي هَانِئُ بْنُ عُبَيْدٍ مِنْ بَنِي وَائِلٍ، وَهُوَ مُسْرِعٌ يَقُولُ:
وَالشَّرُّ يُلْفَى3 مطالعَ الْأَكَمْ
ثُمَّ لَقِيَنِي رَجُلٌ آخَرُ مِنَ الْحَيِّ فَقَالَ:
وَلَئِنْ بغيتَ لَنَا4 بُغَاةً ... مَا البغاةُ بِوَاجِدِينَا5
ثُمَّ دَفَعْنَا إِلَى غُلَامٍ قَدْ وَقَعَ فِي صِغَرِهِ فِي نَارٍ، فَأَحْرَقَتْهُ، فَقَبُحَ وَجْهُهُ، وَفَسَدَ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ ذَكَرْتَ مِنْ نَاقَةٍ فَارِقٍ؟
قَالَ: هَهُنَا أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الْأَعْرَابِ، فَانْظُرْ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هِيَ عِنْدَهُمْ وَقَدْ أَنْتَجَتْ، فَأَخَذْتُهَا وَوَلَدَهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
الْفَارِقُ: الَّتِي قَدْ حَمَلَتْ، فَفَارَقَتْ صَوَاحِبَهَا.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَمَرَّ طَائِرٌ يَصِيحُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: "خَيْرٌ خَيْرٌ".
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا خَيْرَ وَلَا شَرَّ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْتَحِبُّ الْاسْمَ الْحَسَنَ والفأل الصَّالح.
__________
1 وَفِي نُسْخَة: "هَذِه أَلْفَاظ الحَدِيث".
2 فرقت: أَي أَخذهَا الْمَخَاض فجرت.
3 وَفِي نُسْخَة: "يلقى".
4 وَفِي نُسْخَة: "لَهُم".
5 قيل إِنَّه من شعر: لبيد.

الصفحة 172