كتاب تأويل مختلف الحديث

قَالُوا: حديثان متناقضان
11- الْإِيرَاد فِي الصَّلَاةِ:
قَالُوا: رَوَيْتُمْ أَنَّ خَبَّابَ بْنَ الْأَرَتِّ قَالَ: "شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّمْضَاءَ، فَلَمْ يُشْكِنَا"1.
يَعْنِي أَنَّهُمْ شَكَوْا إِلَيْهِ شِدَّةَ الْحَرِّ وَمَا يَنَالُهُمْ مِنَ الرَّمْضَاءِ وَسَأَلُوهُ الْإِبْرَادَ بِالصَّلَاةِ، فَلَمْ يُشْكِهِمْ، أَيْ "لَمْ يُجِبْهُمْ إِلَى تَأْخِيرِهَا".
ثُمَّ رَوَيْتُمْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَوْحِ جَهَنَّمَ" 2.
قَالُوا: وَهَذَا اخْتِلَافٌ، لَا خَفَاءَ بِهِ، وَتَنَاقُضٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّه لَيْسَ هَهُنَا -بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى- اخْتِلَافٌ وَلَا تَنَاقُضٌ.
لِأَنَّ أَوَّلَ الْأَوْقَاتِ، رِضْوَانُ اللَّهِ. وَآخِرَ الْأَوْقَاتِ، عَفْوُ اللَّهِ، وَالْعَفْوُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ تَقْصِيرٍ.
فَأَوَّلُ الْأَوْقَاتِ أَوْكَدُ أَمْرًا، وَآخِرُهَا رُخْصَةٌ.
وَلَيْسَ يَجُوزُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ فِي نَفْسِهِ إِلَّا بِأَعْلَى الْأُمُورِ وَأَقْرَبُهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
__________
1 وَجَدْنَاهُ بِلَفْظ: "شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة فِي الرمضاء فَلم يشكنا" مُسلم: مَسَاجِد 189، 190، النَّسَائِيّ: مَوَاقِيت 2، وَابْن ماجة: صَلَاة 3 وَأحمد: 5/ 108، 110.
2 سبق تَخْرِيجه ص166.

الصفحة 174