كتاب تأويل مختلف الحديث

وَكَانُوا -مَعَ ذَلِكَ- يُؤْمِنُونَ بِالْمَلَكَيْنِ الْكَاتِبَيْنِ.
قَالَ الْأَعْشَى1 وَهُوَ جَاهِلِيٌّ:
فَلَا تَحْسَبَنِّي كَافِرًا لَكَ نِعْمَةً ... عَلَى شَاهِدِي يَا شَاهِدَ اللَّهِ فَاشْهَدِ
يُرِيدُ: عَلَى لِسَانِي، يَا مَلَكَ اللَّهِ،، فَاشْهَدْ بِمَا أَقُولُ.
وَيُؤْمِنُ بَعْضُهُمْ بِالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ. -قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى2، وَهُوَ جَاهِلِيٌّ لَمْ يَلْحَقِ الْإِسْلَامَ- فِي قَصِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ، الَّتِي تُعَدُّ مِنَ السَّبْعِ:
يُؤَخَّرْ فَيُوضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدَّخَرْ ... لِيَوْمِ الْحِسَابِ أَوْ يُعَجَّلْ فَيُنْقَمِ
وَكَانُوا يَقُولُونَ فِي الْبَلِيَّةِ -وَهِيَ النَّاقَةُ تُعْقَلُ عِنْدَ قَبْرِ صَاحِبِهَا، فَلَا تُعْلَفُ وَلَا تُسْقَى حَتَّى تَمُوتَ-: "إِنَّ صَاحِبَهَا يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَاكِبَهَا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَوْلِيَاؤُهُ ذَلِكَ بَعْدَهُ، جَاءَ حَافِيًا رَاجِلًا".
وَقَدْ ذَكَرَهَا أَبُو زُبَيْدٍ فَقَالَ:
كَالْبَلَايَا رُءُوسُهُا فِي الولايا ... مانحات السُّمُومِ حَرَّ الْخُدُودِ
وَالْوَلَايَا: الْبَرَاذِعُ.
وَكَانُوا يُقَوِّرُونَ الْبَرْذعَةَ، وَيُدْخِلُونَهَا فِي عُنُقِ تِلْكَ النَّاقَةِ، فَقَالَ النَّابِغَةُ:
مَحَلَّتُهُمْ ذَاتُ الْإِلَهِ وَدِينُهُمْ ... قَوِيمٌ فَمَا يَرْجُونَ غَيْرَ الْعَوَاقِبِ
يُرِيدُ الْجَزَاء بأعمالهم، ومحلتهم الشَّام3.
__________
1 الْأَعْشَى: عَامر بن الْحَارِث النميري شَاعِر وصاف أدْرك الْإِسْلَام وَسمع الْقُرْآن واقتبس مِنْهُ كَلِمَات.
2 زُهَيْر بن أبي سلمى: من مُضر حَكِيم الشُّعَرَاء فِي الْجَاهِلِيَّة، وَفِي أَئِمَّة الْأَدَب من يفضله على شعراء الْعَرَب كَافَّة. ولد فِي بِلَاد "مزينة" بنواحي الْمَدِينَة، كَانَ ينظم القصيدة فِي شهر وينقحها ويهذبها فِي سنة فَكَانَت قصائده تسمى "الحوليات" وَترْجم كثير من شعره إِلَى الألمانية. توفّي 13 ق. هـ.
3 قَالَ أَبُو مُحَمَّد: ويروى "مجلتهم" بِالْجِيم، فالمحلة بِالْحَاء: الأَرْض، والمجلة: الصَّحِيفَة الَّتِي فِيهَا الْحِكْمَة، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: مَعْنَاهُ أَنهم يحجون فيملون مَوَاضِع مُقَدَّسَة.

الصفحة 177