كتاب تأويل مختلف الحديث

وَقَالَ الْمَرَّارُ، يَذْكُرُ فَلَاةً تَنْزُو1 مِنْ مَخَافَتِهَا قُلُوبَ الْأَدِلَّاءِ:
كَأَنَّ قُلُوبَ أَدِلَّائِهَا2 ... مُعَلَّقَةٌ بِقُرُونِ الظِّبَاءِ
يُرِيدُ: أَنَّهَا تَنْزُو وَتَجِبُ3، فَكَأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِقُرُونِ الظِّبَاءِ؛ لِأَنَّ الظِّبَاءَ لَا تَسْتَقِرُّ، وَمَا كَانَ عَلَى قُرُونِهَا، فَهُوَ كَذَلِكَ.
وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ4:
وَلَا مِثْلَ يَوْمٍ فِي قَدَارٍ5 ظَلَلْتُهُ ... كَأَنِّي وَأَصْحَابِي عَلَى قَرْنِ أَعْفَرَا6
يُرِيدُ: أَنَّا لَا نَسْتَقِرُّ وَلَا نَطْمَئِنُّ، فَكَأَنَّا عَلَى قَرْنِ ظَبْيٍ، وَكَذَلِكَ الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ، يُرَادُ أَنَّهَا تَجُولُ فِي الْهَوَاءِ حَتَّى تُعَبَّرَ، فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ.
وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَبَّرَهَا مِنَ النَّاسِ وَقَعَتْ كَمَا عَبَّرَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْعَالِمَ بِهَا، الْمُصِيبَ الْمُوَفَّقَ.
وَكَيْفَ يَكُونُ الْجَاهِلُ الْمُخْطِئُ فِي عِبَارَتِهَا، لَهَا عَابِرًا، وَهُوَ لَمْ يُصِبْ وَلَمْ يُقَارِبْ؟ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَابِرًا لَهَا، إِذَا أَصَابَ.
يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} 7، يُرِيدُ: إِن كُنْتُم تعلمُونَ عبارتها.
__________
1 تنزو: تثب. "الْقَامُوس ص1724".
2 أدلاتها: جمع دَلِيل.
3 تجب: تسْقط.
4 امْرُؤ الْقَيْس بن حجر بن الْحَارِث الْكِنْدِيّ أشهر شعراء الْعَرَب على الْإِطْلَاق مولده بِنَجْد نَحْو 130ق. هـ، طلب بثأر أَبِيه من بني أَسد حَتَّى أدْركهُ، وَله شهرة كَبِيرَة، توفّي سنة 80ق. هـ.
5 قدار: اسْم مَوضِع.
6 على قرن أعفرا: الأعفر من الظباء: مَا يَعْلُو بياضه حمرَة، أَو الَّذِي فِي سراته حمرَة، أَو الْأَبْيَض لَيْسَ بالشديد الْبيَاض، وَهِي عفراء.
7 الْآيَة: 43 من سُورَة يُوسُف.

الصفحة 484