كتاب تأويل مختلف الحديث

زوامِلُ1 لِلْأَشْعَارِ، لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ ... بِجَيِّدِهَا إِلَّا كَعِلْمِ الْأَبَاعِرِ
لَعَمْرُكَ مَا يَدْرِي2 الْبَعِيرُ إِذَا غَدَا ... بِأَحْمَالِهِ3 أَوْ رَاحَ مَا فِي الْغَرَائِرِ
قَدْ قَنِعُوا مِنَ الْعِلْمِ بِرَسْمِهِ، وَمِنَ الْحَدِيثِ بِاسْمِهِ.
وَرَضُوا بِأَن يُقَال4: فُلَانٌ عَارِفٌ بِالطُّرُقِ، وَرَاوِيَةٌ لِلْحَدِيثِ. وَزَهِدُوا فِي أَنْ يُقَالَ: عَالِمٌ بِمَا كَتَبَ، أَوْ عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ.
وَقَالَ: وَمَا ظَنُّكُمْ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ، يُحْمَلُ عَنْهُ الْعِلْمُ وَتُضْرَبُ5 إِلَيْهِ أَعْنَاقُ الْمَطِيِّ خَمْسِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا، سُئِلَ فِي مَلَأٍ مِنَ النَّاسِ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَقَالَ: "الْبِئْرُ جَبَارٌ" 6.
وَآخَرَ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} 7 فَقَالَ: هُوَ هَذَا الصَّرْصَرُ، يَعْنِي صَرَاصِرَ اللَّيْلِ.
وَآخَرَ حَدَّثَهُمْ عَنْ سَبْعَةٍ وَسَبْعِينَ، وَيُرِيد شُعْبَة وسفين8.
وَآخَرَ رَوَى لَهُمْ: يَسْتُرُ الْمُصَلِّيَ مِثْلُ آجُرّة الرَّجُلِ، يُرِيدُ: مِثْلَ آخِرَة الرّحل9.
__________
1 الزاملة: بعير يستظهر بِهِ الرجل يحمل عَلَيْهِ مَتَاعه وَطَعَامه.
والبيتان لمروان بن سُلَيْمَان بن يحيى بن أبي حَفْصَة، هجا بهما قوما من رُوَاة الشّعْر.
2 وَفِي نُسْخَة: وَمَا تَدْرِي الْمطِي.
3 وَفِي نُسْخَة: بأوساقه.
4 وَفِي نُسْخَة: بِأَن يَقُولُوا.
5 وَفِي نُسْخَة: وَتصرف.
6 انْظُر البُخَارِيّ: مُسَاقَاة 3.
والجبار بِالضَّمِّ: البريء من الشَّيْء، وَقد توهم من هَذَا الحَدِيث أَن الْفَأْرَة إِذا وَقعت فِي الْبِئْر لَا تنجسها.
7 الْآيَة 117 من سُورَة آل عمرَان. وَالْآيَة: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ... } "ريح" بِالْكَسْرِ كَمَا وَردت بِالْآيَةِ لَا بِالضَّمِّ.
8 يَعْنِي أَنه تصحف عَلَيْهِ اسْم شُعْبَة، وسفين، بسبعة وَسبعين للقرب الَّذِي بَينهمَا فِي الصُّورَة الخطية.
9 يُرِيد أَنه قد تصحف عَلَيْهِ "الرّحل" "بِالرجلِ"، وتصحف عَلَيْهِ "الْآخِرَة" "وبالآجرة"؛ وَهِي الْخَشَبَة الَّتِي يسْتَند إِلَيْهَا الرَّاكِب من كور الْبَعِير.

الصفحة 58