كتاب تأويل مختلف الحديث

وَالنَّاسُ أَسْرَابُ1 طَيْرٍ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
وَلَوْ ظَهَرَ لَهُمْ مَنْ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ -مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ بِأَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ مَنْ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ- لَوَجَدَ عَلَى ذَلِكَ أَتْبَاعًا وَأَشْيَاعًا.
وَقَدْ كَانَ يَجِبُ -مَعَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ وَإِعْدَادِ آلَاتِ النَّظَرِ- أَنْ لَا يَخْتَلِفُوا كَمَا لَا يَخْتَلِفُ الحُسّاب والمُسّاح، وَالْمُهَنْدِسُونَ، لِأَنَّ آلَتَهُمْ لَا تَدُلُّ إِلَّا عَلَى عَدَدٍ وَاحِدٍ، وَإِلَّا عَلَى شَكْلٍ وَاحِدٍ، وَكَمَا لَا يَخْتَلِفُ حُذَّاقُ الْأَطِبَّاءِ فِي الْمَاءِ وَفِي نَبْضِ الْعُرُوقِ؛ لِأَنَّ الْأَوَائِلَ قَدْ وَقَّفُوهُمْ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ فَمَا بَالُهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ اخْتِلَافًا، لَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ فِي الدِّينِ.
فَـ "أَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَّافُ"2 يُخَالِفُ "النَّظَّامَ"3 و"النجار"4 يخالفهما، و"هِشَام بْنُ الْحَكَمِ"5 يُخَالِفُهُمْ، وَكَذَلِكَ "ثُمَامَةُ" و"مويس" و"هَاشم الأوقص" و"عبيد الله بن الْحسن"6 و"بكر الْعَمى"
__________
1 الأسراب: جمع سرب وَهُوَ القطيع من الْحَيَوَانَات والطيور، تتبع وَاحِدًا مِنْهَا بِدُونِ فهم أَو معرفَة لحقيقة اتجاه.
2 أَبُو الْهُذيْل العلاف: مُحَمَّد بن الْهُذيْل بن عبد الله بن مَكْحُول الْعَبْدي من أَئِمَّة الْمُعْتَزلَة. ولد فِي الْبَصْرَة عَام 135هـ. واشتهر بِعلم الْكَلَام، وَكَانَ حسن الجدل قوي الْحجَّة توفّي بسامرا سنة 235هـ وَله كتب كَثِيرَة.
3 النظام: إِبْرَاهِيم بن سيار بن هَانِئ الْبَصْرِيّ من أَئِمَّة الْمُعْتَزلَة تبحر فِي عُلُوم الفلسفة واطلع على كثير مِمَّا كتبه رجالها، وَله فرقة تابعته سميت "النظامية" نِسْبَة إِلَيْهِ، وَله كتب كَثِيرَة فِي الفلسفة والاعتزال، وَتُوفِّي عَام 231هـ.
4 النجار هُوَ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبد الله. رَأس الْفرْقَة "النجارية" من الْمُعْتَزلَة وَإِلَيْهِ نسبتها من أهل قُم، وَله مَعَ النظام مناظرات توفّي عَام 220هـ.
5 هِشَام بن الحكم الشَّيْبَانِيّ بِالْوَلَاءِ، الْكُوفِي، أَبُو مُحَمَّد مُتَكَلم مناظر، كَانَ شيخ الإمامية فِي وقته. ولد بِالْكُوفَةِ، وَنَشَأ بواسط، وَسكن بَغْدَاد وَانْقطع إِلَى يحيى بن خَالِد الْبَرْمَكِي. وصنف كتبا مِنْهَا: "الإمامية" و"الْقدر" و"الشَّيْخ والغلام" و"الدلالات على حُدُوث الْأَشْيَاء" و"الرَّد على الْمُعْتَزلَة فِي طَلْحَة وَالزُّبَيْر" و"الرَّد على هِشَام الجواليقي" و"الرَّد على شَيْطَان الطاق". وَلما حدثت نكبة البرامكة استتر؛ وَتُوفِّي على أَثَرهَا بِالْكُوفَةِ عَام 190هـ وَيُقَال عَاشَ إِلَى خلَافَة الْمَأْمُون.
6 عبيد الله بن الْحسن بن الْحصين الْعَنْبَري من تَمِيم، قَاض من الْفُقَهَاء الْعلمَاء بِالْحَدِيثِ، من أهل الْبَصْرَة. قَالَ ابْن حبَان: من ساداتها فقهًا وعلمًا، ولد عَام 105هـ وَولي قَضَاء الْبَصْرَة سنة 157هـ وعزل سنة 166هـ وَتُوفِّي فِيهَا عَام 168هـ.

الصفحة 62