كتاب تأويل مختلف الحديث

و {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} 1 و {يُنَادِ الْمُنَادِ} 2.
أَوْ يَقُولُ: كُلُّ مَا لَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ يُرِيدُ كُلُّ مَا لَنْ أَمْلِكَهُ. أَيْ: لَيْسَ أَمْلِكُهُ.
وَأَنْ يُحْلِفَهُ رَجُلٌ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ بَابِ هَذِهِ الدِّيَارِ -وَهُوَ لَهُ ظَالِمٌ- فَيَتَسَوَّرُ الْحَائِطَ وَيَخْرُجُ، مُتَأَوِّلًا بِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَابِ الدَّارِ، وَإِنْ كَانَتْ نِيَّةُ الْمُسْتَحْلِفِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَهَذَا وَمَا أَشْبَهُهُ مِنَ التَّوْرِيَةِ.
الرُّخْصَةُ فِي الْمَعَارِيضِ:
وَجَاءَتِ الرُّخْصَةُ فِي الْمَعَارِيضِ، وَقِيلَ: إِنَّ فِيهَا عَنِ الْكَذِبِ مَنْدُوحَةً.
فَمِنَ الْمَعَارِيضِ، قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَتِهِ "إِنَّهَا أُخْتِي" يُرِيدُ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِخْوَةٌ.
وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} 3.
أَرَادَ: "بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا، إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ" فَجَعَلَ النُّطْقَ شَرْطًا لِلْفِعْلِ وَهُوَ لَا يَنْطِقُ وَلَا يَفْعَلُ.
وَقَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ} 4 يُرِيدُ "سَأَسْقَمُ"؛ لِأَنَّ مَنْ كُتِبَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ وَالْفَنَاءُ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَسْقَمَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} 5.
وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيِّتًا فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ: إِنَّكَ سَتَمُوتُ، وَسَيَمُوتُونَ.
__________
1 الْآيَة 6 من سُورَة الْقَمَر.
2 الْآيَة 41 من سُورَة ق. الْآيَة: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ ... } .
3 الْآيَة 63 من سُورَة الْأَنْبِيَاء. الْآيَة: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ ... } .
4 الْآيَة 89 من سُورَة الصافات. الْآيَة: {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ.. .} .
5 الْآيَة 30 من سُورَة الزمر.

الصفحة 86