كتاب تأويل مختلف الحديث

وَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ صَدِيقِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ.
وَوُسَّعَ لِدَاخِلِ الْحَائِطِ1 أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِهِ، وَلَا يَحْمِلَ.
وَوُسَّعَ لِابْنِ السَّبِيلِ -إِذَا مَرَّ فِي سَفَرِهِ بِغَنَمٍ وَهُوَ عَطْشَانُ- أَنْ يُصِيبَ مِنْ رِسْلِهَا2.
فَكَيْفَ يُعَذِّبُ مَنْ أَخَذَ حَبَّةً مِنْ خَرْدَلٍ، لَا قَدْرَ لَهَا، وَيُخَلِّدُهُ فِي النَّارِ أَبَدًا؟!!
وَأَيُّ ذَنْبٍ هُوَ أَخْذُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُ تَوْبَةٌ، أَوْ يَقَعُ فِيهِ إِصْرَارٌ؟
وَقَدْ يَأْخُذُ الرَّجُلُ الْخَلَّالُ مِنْ حَطَبِ أَخِيهِ، والمدَر3 مِنْ مَدَرِهِ، وَيَشْرَبُ الْمَاءَ مِنْ حَوْضِهِ، وَهَذَا أَعْظَمُ قَدْرًا مِنَ الْحَبَّةِ.
وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ الْأَطْفَالَ لَا تَأَلَّمُ.
فَإِذَا سُئِلَ، فَقِيلَ لَهُ: فَمَا بَالُهُ يَبْكِي إِذَا قُرِصَ أَوْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ شَرَارَةٌ.
قَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ عُقُوبَةٌ لِأَبَوَيْهِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُؤْلِمَ طِفْلًا لَا ذَنْبَ لَهُ.
فَإِذَا سُئِلَ عَنِ الْبَهِيمَةِ وَأَلَمِهَا، وَهِيَ لَا ذَنْبَ لَهَا، قَالَ: إِنَّمَا آلَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْفَعَةِ ابْنِ آدَمَ لِتَنْسَاقَ4 وَلِتَقِفَ، وَلِتَجْرِيَ إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ مِنْهَا.
وَكَانَ مِنَ الْعَدْلِ -عِنْدَهُ- أَنْ يُؤْلِمَهَا لِنَفْعِ غَيْرِهَا وَرُبَّمَا قَالَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ خَلَطُوا فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ.
وَكَانَ يَقُولُ: شُرْبُ نَبِيذِ السِّقَاءِ5 الشَّدِيدِ مِنَ السُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ أَكْلُ الجدي، وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ.
__________
1 الْحَائِط: الْبُسْتَان.
2 رسلها: أَي لَبنهَا.
3 الْمدر: قطع الطين الْيَابِس. "الْقَامُوس".
4 وَفِي نُسْخَة: لتستاق.
5 وَفِي نُسْخَة: السِّقَايَة.

الصفحة 97