كتاب العراق في أحاديث وآثار الفتن (اسم الجزء: 1)

قال أبو بكر الخلال: كل ما ذكروه عن أبي عبد الله -يعني: أحمد- من معاقل المدن، ثم ذكرهم عنه -أيضاً-؛ فهذا لما يبلغه من الحوادث، فأما ذكرهم عنه دمشق فهي عنده معقل دون الشام ودون غيرها، إلا ما ذكر في أول الباب من محبته المدينة على غيرها. انتهى.
وحاصل ما نقل عن الإمام أحمد: أنه يَستَحِب سكنى الشام، والانتقال بالذرية والعيال إلى معاقلها؛ كدمشق، وأما أطرافها وثغورها القريبة من السّواحل فلا يستحب سكناها بالذرية؛ لما يُخشى عليهم من إغارة الكفار، وإنما يَستحب الإقامة بها للرِّباط بدون نقل النساء والذرية.
وكل ما كان من بلدانها أقرب إلى السواحل، وأشد خوفاً، فإنه يكره نقل الذرية إليه.
وأما الأحاديث في فضائل الشام فلا تختصُّ عنده بثغورها، بل هي عامة لجميع أرض الشام؛ كبيت المقدس وما والاه، ودمشق وغيرها. والله ... -تعالى- أعلم (¬1) .
ويلاحظ أنّ الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- كان في العراق عند سؤال السائل له عن التحوّل، فأرشد إلى الشام، هذا في زمنه، فما بالك في هذا الزمان؟ فماذا نقول؟ ولا سيما عند سؤال إخواننا العراقيين من أهل السنة والحديث لنا، وهم الغريبون -حقّاً- في الديار، وفي الظاهر (¬2) ، غير القادرين على ذكر أسماء أئمة الدين والهدى (¬3) في دروسهم ومساجدهم، فضلاً عن
¬_________
(¬1) «فضائل الشام» (46) لابن رجب.
(¬2) أعني: هديهم الظاهر من اللحية واللباس، وهي عبارة تكثر دورانها على ألسنة النبهاء من طلبة العلم منهم، ولعل ذلك زال باحتلال أمريكا ديارهم! ولكنهم مع تمكنهم من إقامة هديهم الظاهر؛ إلا أنهم ضاقت الأرض بهم، وكادوا أن ينكروا أنفسهم، حسرة وكمداً، فاللهم! فرِّج عنهم ما هم فيه.
(¬3) مثل أئمة الإسلام، وشيوخه العظام: ابن تيمية، وابن القيم، ومحمد بن عبد الوهاب، ... وابن باز، والألباني، وابن العثيمين -رحمهم الله جميعاً، ورفع درجاتهم، وألحقنا بهم في الصالحين-.

الصفحة 476