كتاب العراق في أحاديث وآثار الفتن (اسم الجزء: 1)

خلالها كذبه، إذ كان يقطع بوقوع كذا في وقت كذا (¬1) ،
دون أدنى دليل صريح، وإنما الاستنباط والترجيح، دون فهم رجيح، لوقوع ذلك من قبل بعض النكرات ممن ليس لهم مشاركات جادة في العلوم الشرعية على وجه مليح، يسرُّ أصحاب المنهج الصحيح.
وحاولتُ جاهداً في هذه الدراسة (¬2) : إبراز الأحاديث والآثار التي فيها ذكر الفتن التي وقعت وستقع في العراق وجهتها وما جاورها، وبيان الصحيح
¬_________
(¬1) استدل بعض أهل البدع والهوى بأحاديث الفتن على إثبات الغيب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا جهل من هؤلاء؛ لأنّ علم الغيب مختص بالله -تعالى-، وما وقع منه على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن الله بوحي، والشاهد لهذا قوله -تعالى- {عَالم الغَيب فَلا يُظهِر على غَيبِهِ أحداً. إلا مَن ارتضى مِنْ رَسُول} [الجن: 26-27] ؛ أي: ليكون معجزة له. فكل ما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - من الأنباء المنبئة عن الغيوب ليس هو إلا من إعلام الله له به إعلاماً على ثبوت نبوته، ودليلاً على صدق رسالته - صلى الله عليه وسلم -.
قال علي القاري في «شرحه الفقه الأكبر» (ص 123) : «إن الأنبياء لم يعلموا المغيبات من الأشياء إلا ما أعلمهم الله أحيانا، وذكر الحنفية تصريحاً بالتكفير باعتقاد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم الغيب لمعارضته قوله -تعالى-: {قُل لاَ يَعلَمُ مَن في السّماوات والأرض الغيبَ إلا الله} [النمل: 65] » .
وفي «عون المعبود» (11/306) : «وبالجملة لا يجوز أن يقال لأحد إنه يعلم الغيب. نعم الإخبار بالغيب بتعليم الله -تعالى- جائز، وطريق هذا التعليم إما الوحي أو الإلهام عند من يجعله طريقاً إلى علم الغيب» .
وفيه: «وفي «البحر الرائق» : لو تزوج بشهادة الله ورسوله لا ينعقد النكاح، ويكفر لاعتقاده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم الغيب» .

قلت: إذا كان هذا في حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما بالك بالأوباش الذين تعدوا على علم الغيب، وخاضوا فيما لا يعلمون ولا يحسنون، وزعموا أن النصر على اليهود سيكون في وقت كذا، وخروج المهدي أو الدجال في وقت كذا، وهكذا! وانظر: «تفسير المنار» (9/391-392) .
(¬2) كانت -بداية- خاصة بحديث: «منعت العراق ... » ، ثم رأيت أن مقتضى الفهم الصحيح للحديث: جمع ما ورد عن العراق من أحاديث وآثار، فكانت بهذه الصورة التي بين يدي القراء الكرام، وللحديث المذكور نصيب كبير فيها: تخريجاً وشرحاً، مع ذكر تبويبات العلماء عليه، واستخراجهم فوائده الفقهية والعلمية، بل خصصت فوائده المستنبطة بفصل مفرد، والله الموفّق.

الصفحة 7