كتاب أخبار المدينة

عمر من القبلة، على أول أساطين القبلة التي إليها المقصورة: أي التي كانت بين صف الأساطين التي تلى القبلة على الرواق القبلي (1).
وأسند ابن زبالة عن مسلم بن حباب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً وهو في مصلاه في المسجد (لو زدنا في مسجدنا) وأشار بيده نحو القبلة، فأدخلوا رجلاً وأجلسوه في موضع مصلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم رفعوا يد الرجل وخفضوها حتى رأوا أن ذلك نحو ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يده، ثم مدوا مقاطاً (2) فوضعوا طرفه بيد الرجل، ثم مدوه، فلم يزالوا يقدمونه ويؤخرونه حتى رأوا أن ذلك فيه بما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم من الزيادة، فقدم عمر القبلة، فكان موضع جدار عمر في موضع عيدان المقصورة (3).
وروى ابن زبالة ويحيى من طريقه عن عبد الله بن أبي بكر قال: كان للعباس بيت في قبلة المسجد وكثر الناس، وضاق المسجد، فقال عمر للعباس: إنك في سعة فأعطني بيتك هذا أوسع به في المسجد، فأبى العباس ذلك عليه، فقال عمر: إني أثمنك وأرضيك، قال: لا أفعل، لقد ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاتقي وأصلح ميزابه بيده فلا أفعل، قال عمر: لآخذنه منك، فقال أحدهما لصاحبه: فاجعل بينى وبينك حكماً، فجعلا بينهما أبي بن كعب، فأتياه فاستأذنا على الباب، فحبسهما ساعة ثم أذن لهما وقال: إنما حبستكما أنى كنت كما كانت الجارية تغسل رأسي، فقص عليه عمر قصته، ثم قص العباس قصته، فقال: إنما عندي علماً مما اختلفتما فيه، ولأقضين بينكما بما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سمعته يقول: إن داود لما أراد أن يبني بيت المقدس وكان بيتاً ليتيمين من بنى إسرائيل في قبلة المسجد فأراد منهما البيع فأبيا عليه، فقال: لآخذنه،
__________
(1) والذي في صحيح البخاري وسنن أبي داود أن عمر - رضي الله عنه - زاد في المسجد، وبناه على بنائه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد، وأعاد عمده خشباً، وهذا مخالف لما في رواية ابن زبالة من أن عمر جعل أساطينه من لبن، والمعول عليه رواية الصحيح. السمهودي: 2/ 481.
(2) المقاط: بالكسر، الحبل الصغير الشديد الفتل. (ابن منظور: 13/ 155).
(3) ابن النجار: ص 93 - 94، السمهودي: 2/ 482.

الصفحة 114