لا يستبقوا أحداً منهم بلغ الحلم، فقدموا عليهم، فأظهرهم الله فقتلوهم، حتى انتهوا إلى ملكهم (الأرقم بن أبى الأرقم) فقتلوه، وأصابوا ابنا له - وكان شاباً من أحسن الناس - فضنوا به عن القتل، وقالوا: نستحييه حتى نقدم به إلى نبي الله موسى - عليه السلام - فيرى فيه رأيه، فأقبلوا وهو معهم، فقبض الله موسى قبل قدوم الجيش، فلما سمع بهم الناس تلقوهم فسألوهم فأخبروهم بالفتح، وقالوا: لم نستبق منهم إلا هذا الفتى، فإنا لم نر شاباً أحسن منه، فتركناه حتى نقدم به على نبي الله موسى - عليه السلام - فيرى فيه رأيه. فقالت لهم بنو إسرائيل: إن هذه لمعصية منكم لما خالفتم أمر نبيكم، لا والله لا تدخلون علينا بلادنا أبداً، فقال الجيش: ما بلد إذ منعتم بلادكم بخير من البلد الذي خرجتم منه، وكان الحجاز إذ ذاك أشجر بلاد الله وأظهره ماء، قال: وكان هذا أول سكنى اليهود الحجاز بعد العمالقة (1).
وأسند ابن زبالة عن زيد بن أسلم أن ضبعاً رؤيت وأولادها رابضة في حجاج (2) عين رجل من العماليق، قال زيد بن أسلم: وكان تمضي أربعمائة سنة وما يسمع بجنازة (3).
- نزول اليهود المدينة (4):
قال ابن زبالة عقب ما تقدم عنه من عود الجيش من بني إسرائيل إلى الحجاز وسكناهم المدينة: فركحوا منها حيث شاؤا - أي تفسحوا وتبوؤا - فكان جميعهم
__________
(1) ابن النجار: ص 12؛ والسمهودي: 1/ 159، نقلاً عن ابن زبالة.
(2) والحجاج، بكسر أوله وفتحه: العظم الذي ينبت عليه الحاجب.
(3) السمهودي: 1/ 157، نقلاً عن ابن زبالة؛ والنهرواني: ص 14.
(4) سبب نزول اليهود بالمدينة: أن السبب في كون اليهود بالمدينة - وهي وسط أرض العرب - أن بني إسرائيل كانت تغير عليهم العماليق من أرض الحجاز، فشكت ذلك إلى موسى - عليه السلام -، فوجه جيشاً، وذكر نحو ما تقدم، ثم قال: وأصح من هذا ما ذكره الطبري أن نزول بني إسرائيل بالحجاز كان حين وطئ بختنصر بلاد الشام وخرب بيت المقدس، وحكى ابن النجار عن بعض العلماء أن سببه أن علماءهم كانوا يجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، وأنه يهاجر إلى بلد فيه نخل بين حرتين، فأقبلوا من الشام يطلبون الصفة. انظر ابن النجار: ص 12 - 13؛ والسمهودي: 1/ 159؛ والنهرواني: ص 15.