كتاب أخبار المدينة

فأقامت الأوس والخزرج في منازلهم خائفين أن تجليهم يهود، حتى نجم (1) منهم مالك بن العجلان أخو بنى سالم بن عوف بن الخزرج وسوده (2) الحيان الأوس والخزرج، وكان الفِطْيَوْنُ - أي بالفاء المكسورة، وقيل: الغيطوان - ملك اليهود بزهرة، وكانت لا تهدى عروس بيثرب من الحيين الأوس والخزرج حتى تدخل عليه فيكون هو الذي يفتضها قبل زوجها، فتزوجت أخت مالك بن العجلان رجلاً من قومها، فبينا مالك في نادي قومه إذ خرجت أخته فُضُلاً، فنظر إليها أهل المجلس، فشق ذلك على مالك، ودخل فعنفها وأنبها، فقالت: ما يصنع بي غداً أعظم من ذلك، أهدى إلى غير زوجي، فلما أمسى مالك اشتمل على السيف ودخل على الفِطْيون متنكراً مع النساء، فلما خف من عنده (3) عدا عليه فقتله وانصرف إلى دار قومه، ثم بعث هو وجماعة من قومه إلى من وقع بالشام من قومهم يخبرونهم بحالهم، ويشكون إليهم غلبة اليهود، وكان رسولهم الرمق بن زيد بن امرئ القيس أحد بنى سالم بن عوف بن الخزرج، وكان قبيحاً دميماً شاعراً بليغاً، فمضى حتى قدم على أبي جبيلة أحد بنى جشم بن الخزرج الذين ساروا من يثرب إلى الشام، وقال بعضهم: كان أبو جبيلة من ولد جفنة بن عمرو بن عامر قد أصاب ملكاً بالشام وشرفاً. قالوا: فشكا إليه حالهم وغلبة اليهود عليهم وما يتخوفون منهم، وأنهم يخشون أن يخرجوهم، وأنشده من شعره. فتعجب من شعره وبلاغته وقبحه ودمامته، وقال: عسل طيب في وعاء خبيث. فقال الرمق: أيها الملك: إنما يحتاج من الرجل إلى أصغريه لسانه وقلبه.
فقال: صدقت، وأقبل أبو جبيلة في جمع كثير لنصرة الأوس والخزرج. كذا قاله ابن زبالة (4).
__________
(1) نجم: طلع وظهر (ابن منظور: 14/ 59).
(2) وسوده: صيروه سيداً عليهم (السمهودي: 1/ 178).
(3) خف من عنده: ذهبوا (السمهودي: 1/ 178).
(4) السمهودي: 1/ 178، 179.

الصفحة 172