كتاب أخبار المدينة

ثم يقول: إن الأوس والخزرج قالوا لأبي جبيلة لما قدم لنصرهم: إن علم القوم ما تريد تحصنوا في آطامهم فلم تقدر عليهم، ولكن ادعهم للقائك وتلطفهم حتى يأمنوك ويطمئنوا فتستمكن منهم، فصنع لهم طعاماً وأرسل إلى وجوههم ورؤسائهم، فلم يبق من وجوههم أحد إلا أتاه، وجعل الرجل منهم يأتى بحامَّته وحشمه (1) رجاء أن يحبوهم، وكان قد بنى لهم حيزاً وجعل فيه قوماً فأمرهم أن يقتلوا من دخل عليهم منهم، ففعلوا حتى أتوا على وجوههم ورؤسائهم، فعزت الأوس والخزرج بالمدينة، واتخذوا الديار والأموال والآطام (2)، فقال الرمق يثنى على أبي جبيلة:
لم تقض دينك من حسان ... وقد عنيت وقد عنينا
قضيت همك في الحسان ... فقد عنيت وقد عنينا (3)
وروى ابن زبالة أن تبعاً لما قدم المدينة وأراد إخرابها (4) جاءه حبران من قريظة يقال لهما سحيت ومنبه فقالا: أيها الملك انصرف عن هذه البلدة فإنها محفوظة، وإنها مهاجر نبي من بنى إسماعيل اسمه أحمد يخرج في آخر الزمان، فأعجبه ما سمع منهما، فصدقهما وكف (5) عن أهل المدينة (6).
__________
(1) حامة الرجل: خاصته من أهله وولده، والحشم: كالخدم وزناً ومعنى. انظر السمهودي: 1/ 180.
(2) السمهودي: 1/ 180؛ والنهرواني: ص 17.
(3) السمهودي: 1/ 180 - 181.
(4) وقصة ذلك أن أبا جبيلة لما فرغ من نصر أهل المدينة رجع إلى الشام، فأقبل تبع الأخير - وهو كرب بن حسان بن أسعد الحميري، والتبابعة كلهم من حمير - يريد المشرق كما كانت التبابعة تفعل، فمر بالمدينة، فخلف فيها ابنا له ومضى حتى قدم الشام، ثم سار حتى قدم العراق، فلما كان بالعراق قتل ابنه بالمدينة غيلة فأقبل راجعاً يريد تخريب المدينة انظر: المطري: ص 66 - 67؛ والسمهودي: 1/ 186.
(5) كف عنهم: تركهم.
(6) المطري: ص 67؛ والسمهودي: 1/ 190.

الصفحة 173