كتاب أخبار المدينة

وأما بنو عذارة بن مالك بن غضب بن جشم فكانوا أقل بطون بني مالك بن غضب عدداً، وكانوا قوماً ذوى شراسة وشدة أنفس، فقتلوا قتيلا من بعض بطون بنى مالك بن غضب إما من بني اللين أو بني أجدع، وأبى أهل القتيل الدية، وذهبوا إلى بني بياضة ليعينوهم على بني عذارة حتى يعطوهم القاتل، فكلمت بنو بياضة بني عذارة في ذلك، قأبوا أن يخلوا بينهم وبينه، فأرادت بنو بياضة أن يأخذوه عنوة، فخرجوا من دار بني بياضة حتى نزلوا قباء على بني عمرو بن عوف فحالفوهم وصاهروهم، وامتنعوا من بني بياضة، ثم إنه دخل بين بني عذارة وبين بني عمرو بن عوف قبيل الإسلام أمر، فأجمعوا أن ينتقلوا من عندهم إلى بني زريق، وكرهوا أن يرجعوا إلى بني بياضة، فجاؤوهم وذكروا لهم ذلك، فلقوهم بما يحبون، وسددوا رأيهم (1)، وأتوا أبا عبيدة سعيد بن عثمان الزرقي فذكروا له ذلك، فرحب بهم وذكر شرفهم وفضلهم، ثم قال: إني أشير عليكم أن ترجعوا إلى أخوالكم - يعنى بني عمرو بن عوف - ولا تنتقلوا إلى بني زريق، فإن في أخلاقكم شراسة وفي أخلاق بني زريق مثلها، فتفرقوا عن رأيه، فلم يزالوا كذلك إلى أن فرض المهدي للأنصار سنة ستين ومائة، فانتقلوا بديوانهم إلى بني بياضة، وكان بطنان من بطون بني مالك بن غضب ممن كان بدار بني بياضة - لا ندري أهم من اللين أم من أجدع - كان بينهم ميراث في الجاهلية، فاشتجروا فيه، فلما رأوا أنهم لا يستقيمون فيه على أمر تداعوا إلى أن يدخلوا حديقة كانت في بني بياضة فيقتتلوا فيها، فدخلوا جميعاً ثم أغلقوها، فاقتتلوا حتى لم يَبْقَ منهم عين تطرف، فسميت تلك الحديقة (حديقة الموت) وكان بنو مالك ابن غضب سوى بني زريعة ألف مقاتل في الجاهلية، وأما بنو أجدع فلم يبق منهم أحد، وأما بنو اللين فكان من بقي منهم رجلان ثم انقرضا لا عقب لهما.
__________
(1) سددوا رأيهم: صوبوه. (السمهودي: 1/ 208).

الصفحة 180