كتاب أخبار المدينة

5 - ابن زبالة والشعر:
من المعروف أن الشعر العربي القديم يعتبر مصدراً قيماً من المصادر التي تكشف كثيراً من الجوانب التاريخية والاجتماعية والدينية وحتى الاقتصادية في العصر الجاهلي وصدر الإسلام، وذلك لأنه من السجلات المحفوظة والمتداولة بين الناس، ولكن ابن زبالة كمؤرخ استخدم الشعر بصفة عامة وهو يرمي بجانب ذلك إلى تحقيق عدد من الأهداف، نرى من أهمها: تدعيم مصادره، وتوضيح الحقائق التاريخية بإدراج شواهد من الشعر عليها وتوثيق الحاديث أو الخبر والتشويق إليه من ناحية أخرى، والأمثلة على ذلك كثيرة (1) نذكر منها للإيضاح ما يلي:
قال ابن زبالة: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أصحابه فخرج يعود أبا بكر، فوجده يهجر، فقال: يا رسول الله:
لقد لقيت الموت قبل ذوقهِ ... إن الجنان حتفهُ من فوقهِ
كل امرئ مجاهد بطوقهِ ... كالثور يحمي جلدهُ بروقهِ
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده، فدخل على بلال فوجده يهجر (2) وهو يقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخُر وجليلٌ
وهل أردن يوماً مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل
ودخل على أبي أحمد ابن جحش فوجده موعوكاً، فلما جلس إليه قال:
واحبذا مكة من وادي ... أرض بها تكثر عوادي
أرض بها تضرب أوتادي ... أرض بها أهلي وأولادي
أرض بها أمشي بلا هادي
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا أن ينقل الوباء من المدينة (3).
__________
(1) السمهودي: مصدر سابق، 1/ 57، 158، 163،171،180، 197،209، 211، 4/ 1243، 1251.
(2) يهجر: يهجر هجراً: حلم وهذى. (ابن منظور: 15/ 33).
(3) المصدر السابق: 1/ 57.

الصفحة 258