كتاب أخبار المدينة

فلن تعود إليها أبدا (1)، ومن يومها زالت الأهمية السياسية للمدينة المنورة التي كانت مقر الدعوة الإسلامية ومركز الدولة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، فتحولت إلى مجرد ولاية تابعة لسلطان الأمويين ثم العباسيين، ومع كل ذلك فقد ظلت المدينة ذات مكانة خاصة في نفوس المسلمين في شتى بقاع الأرض الذين يأتون كل عام لأداء فريضة الحج إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة وزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة (2).
وكان للمدينة من جهة أخرى محاذير سياسية كبيرة يخشاها الخلفاء الأمويون والعباسيون، وهاتان الصفتان هما كفتا الميزان اللتان كانت الحياة السياسية في المدينة تتأرجح بينهما.
إلا أن الآثار التي خلفتها موقعة الحرة (3) كانت عميقة جدا في نفوس أهل المدينة ونفوس أجيالهم التالية، فقد علمتهم هذه الآثار أن يكونوا أكثر تعقلا بالفقه والعلم الذي يتدارسونه وهو علم يقرر أن شق عصا الطاعة والمسارعة في الفتنة من الأخطاء
__________
(1) ابن كثير: البداية والنهاية، تحقيق أحمد أبي مسلم وآخرين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط5، 1409ه‍ - 1989م، المجلد الرابع، ج7، ص245.
(2) سليمان عبد الغني مالكي: بلاد الحجاز منذ بداية عهد الأشراف حتى سقوط الخلافة العباسية في بغداد، دار الهلال، الرياض، ط 2، 1414ه‍ - 1993م، ص 23
(3) موقعة الحرة: أخرج خليفة بن خياط بسند صحيح إلى جويرية بن أسماء: قال: سمعت أشياخ أهل المدينة يتحدثون أن معاوية لما احتضر دعا يزيد فقال له: إن لك من أهل المدينة يوماً، فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فإنه رجل قد عرفنا نصيحته. فلما ولي يزيد وفد عليه عبد الله بن حنظلة وجماعة فأكرمهم وأجازهم، فلما رجع حرّض الناس على يزيد وعابه ودعاهم إلى خلعه، فأجابوه، فبلغ ذلك يزيد فجهّز إليهم مسلم بن عقبة، فاستقبلهم أهل المدينة بجموع كثيرة، فهابهم أهل الشام وكرهوا قتالهم، فلما نشب القتال سمعوا في جوف المدينة التكبير، وذلك أن بني حارثة أدخلوا قوماً من الشاميين من جانب الخندق، فترك أهل المدينة القتال ودخلوا المدينة خوفاً على أهلهم، فكانت الهزيمة، وقتل من قتل، وبايع مسلم الناس على أنهم خول ليزيد يحكم في دمائهم وأموالهم وأهلهم بما شاء. وكان ذلك سنة ثلاث وسنتين. (خليفة بن خياط: تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق أكرم العمري، دار طبية، الرياض ط2،1405ه‍ / 1985م، ص236 - 239).

الصفحة 28